إثباتُ الهَيُولی في الأجسامِ کُلِّها؛ لأنَّ ذلك[1] المتّصل قابِلٌ للانفصال، فالقابلُ للانفصالِ في الحقيقةِ إمّا أنْ يکونَ هو المقدار أو الصُّورة المستلزِمة للمِقدار أو معنی آخر، لا سبيلَ إلی الأوّل والثّاني، وإلّا لَزِم اجتِماع الاتّصالِ والانفصال[2]، والقابِل يجِب وجودُه مع المَقبولِ، فتعيَّن أن يکون القابلُ مَعنی آخر، وهُو المَعنی[3] مِن الهَيُولی،
[1] قوله: [لأن ذلك...إلخ] خلاصة الدليل: أن الجسم المتّصل في الواقع يطرأ عليه الانفصال بمعنى حدوث هُوِيّتين، أو عدم الات صال عمّا مِن شأنه الاتصال، ولا بدّ له من قابل، وقابله في الواقع إما الجسم التعليمي أو الصورة الجسمية المستلزمة له، وهما باطلان، فتعيّن أن يكون معنى آخر، وهو الهيولی. (عين القضاة)
[2] قوله: [اجتماع الاتصال والانفصال] في حالة واحدة؛ لأنّ الاتصال لازم للمقدار والصورة فإنه إذ ورد الانفصال انعدمت هُوِيّتهما وحدثتْ هُوِيّتان أُخريان. (الميبذي)
[3] قوله: [وهو المعنى من الهيولى] وزبدة الكلام في هذا المقام: أن الجسم المفرد متصل وقابل للانفكاك، فالقابل إما أن يكون مقداره القائم به، وإما أن يكون صورته المستلزمة للمقدار، لا جائز أن يكون مقداره قابلا للانفكاك؛ لأنه حين طريان الانفصال ينعدم، والقابل يجب أن يكون باقياً إذا كان المقبول وجودياً أو عدم ملكة، والانفصال كذلك؛ لأنه عبارة إما عن حدوث هويتين، أو زوال الاتصال عما من شأنه أن يكون متصلاً، ولا سبيل إلی الثاني أي: الصورة المستلزمة للمقدار، ضرورة استلزام عدم اللازم لعدم الملزوم، ويجب أن يكون القابل مع لوازمه باقياً، وههنا انتفى اللازم أعني المقدار كما علمت من قبل، فكذلك ينتفي الملزوم أي: الصورة فتعين أن يكون القابل معنى آخر سواهما، وهو الهيولی. فإن قيل: لم يثبت من هذا البيان كون الهيولی محلاً للصورة، بل بقاء أمر قابل مطلقا. قلتُ: بعد ما ثبت أن الاتصال ذاتي للجسم لا بد أن يكون مشتملاً علی أمر قابل للفصل، وإلا كان الانفصال انعداما للجسم بالمرة، وهو باطل بالضرورة، فذلك الأمر الباقي في الحالين إما أن يكون محلاً للصورة المتصلة أو حالاً فيها أو لا محلاً ولا حالاً، والأخيران باطلان، فتعين الأول، أما الثاني؛ فلأنه لو كان حالاً فيها للزم من انعدام الصورة المتصلة حين الانفصال انعدامه، ضرورة أن انعدام المحل يستلزم انعدام الحال، وإنما دعانا إلی القول بالأمر القابل انعدام الصورة المتصلة ووجوب بقاء أمر قابل. وأما الثالث؛ فلأنه حينئذ يكونان متباينين ليس لأحدهما علاقة مع الآخر، فيلزم أن لا يكون الجسم حقيقة أحدية محصلة؛ لأنه لا بدّ للتوحد الطبعي من الافتقار بين الأجزاء والارتباط، وإذا كانت الأجزاء مستغنية بعضها عن بعض كانت الحقيقة اعتبارية لا محصّلة،
وأنت تعلم أن الجسم ليس كذلك، بل هو حقيقة محصّلة لها توحّد طبعي لا يتوقف على الاعتبار, هكذا قيل، وفيه تأمل؛ لجواز أن يكون بين الهيولی والصورة ارتباط وعلاقة سوى علاقة الحلول، وإنما يجب للحقيقة المحصّلة علاقة مّا، وأما علاقة الحلول فليست ببينة، ولعل القريحة السليمة تحكم بأنه إذا كان كل واحد من الأمرين متباينا منفصلا ليس أحدهما حالّا في الآخر استغنى كل منهما من الآخر، فلا يكون بينهما توحّد طبعي يمنع من الانفكاك، فيكون الحقيقة اعتبارية لا محصلة، فافهم. (سعادت)