عنوان الكتاب: النور والنورق لأسفار الماء المطلق ومعها عطاء النبي لإفاضة أحكام ماء الصبي

وإنّما العبرة بها فيما يوافق الماء في الأوصاف، وقد مشى عليه "الدرر" ههنا فجعله حكم ما لا يخالف الماء في صفة، وجعل اللبن قسيمه لا سهيمه، وإنْ أراد القليل في نفسه فهو ههنا المغلوب المستهلك الذي لا يظهر له أثر بيِّن، واللبن إذا أحال الماء إلى لونه كيف يعدّ قليلًا.

وثانيًا: هذا هو قضيّة القياس في الضابط؛ لأنّ ما خالف الماء في الأوصاف الثلاثة أعتبر فيه الغلبة بوصفين؛ لأنّ للأكثر حكم الكلّ، وما خالف في وصفٍ واحدٍ اعتبر فيه الغلبة به، بقي ما خالف في وصفين، فإنْ غلب بهما معًا فلا كلام، وإنْ غلب بأحدهما كان الغلبة بالنصف، والنصف أحقّ أنْ يلحق بالكلّ مِن أنْ يطرح بالكلّيّة، هذا ولكن الحق عندي في اللبن على الضابط المذكور إنْ تعتبر فيه الغلبة بوصفين اثنين لا بوصفٍ واحدٍ؛ لأنّ اللبن ممّا يخالف الماء في الأوصاف الثلاثة جميعًا ولخفاء رائحته غالبًا، ولو أُغلي لظهرَتْ، ذهب الوهم إلى أنّه لا يخالف إلّا في وصفين.

وقد قال العلامة الرملي في حاشية "البحر" ثم الشامي في "المنحة" و"ردّ المحتار": المشاهد في اللبن مخالفة للماء في الرائحة أيضًا[1] انتهى.

أقول: غير أنْ أقوى أوصاف اللبن لونه ثم طعمه ثم ريحه، ولا يتغيّر به في الماء وصف لاحق إلّا وقد سبقه سابقه، فإذا تغيّر شيء منها فقد تغيّر اللون، وإذا لم يتغيّر اللون لم يتغيّر شيء منها، فاتّفقت الأقوال على جواز الوضوء بماء خالطه لبن لم يتغيّر لونه، وبه ظهر أنّ ترديد الإمام الزيلعي


 

 



[1] "منحة الخالق على بحر الرائق"، كتاب الطهارة، ١ / ٧٠، كراتشي باكستان.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

253