ومعلوم أنّ المركب مِن الشيء وغيره غيره غير أنّ العرفَ بل والشرع واللغة جميعًا تلاحظ الغلبة، فإذا كان الممازج أكثر قدرًا مِن الشيء كان المركب أحقّ باسم الممازج مِن اسم الشيء، وإنْ تساويَا تساقطَا، فلم يكن المركب مفهومًا مِن إطلاق اسم شيء منهما؛ لأنّ وضعَ الاسمين بإزاء كلّ بحياله لا بإزاء الكلّ مجموعًا، نعم، إنْ كان أقلّ لم يعتبر إلّا أنْ تحدث بامتزاجه حقيقة عرفيّة مركّبة ممتازة مقصودة لمقاصد منحازة، فيصير المركب ذاتًا أخرى عرفًا لاختلاف المقاصد، فلا يبقى داخلًا تحت المفهوم عرفًا مِن الإطلاق.
فثبَتْ أنّ المتفاهم[1] مِن إطلاق اللفظ هي الذات الموضوع لها مِن دون نقصٍ ولا زيادةٍ يغيّرانها، فكلّ عارضٍ لا يعتري بها المعروض تغيّر في ذاته، وإنْ كان هناك نقص أو زيادة في أمرٍ خارجٍ فهو لا يمنع المعروض مِن الدخول
[1] وهو حاشية المؤلّف نفسه نقلتها دون أيّ تصرّف: ((أقول: وبهذا ولله الحمد ظهر معنى قولهم: المطلق ينصرف إلى الفرد الكامل، وقولهم: المطلق ينصرف إلى الأدنى، ونبيّن أنّه لا خلاف بينهما، فالمطلق ينصرف في الطلب إلى أدنى ما يطلق عليه سواء كان مطلوب الفعل، إذ يكفي لبراءة الذمّة أو الترك إذ الممنوع جنسه، فلا يجوز شيء منه، لكن ينصرف إلى فرد كامل في الذات لم يعرضه ما يجعله ناقصًا في ذاته بالمعنى المذكور لعدم انفهامه حينئذٍ مِن المطلق فالمنصرف إليه أدنى ما كمل فيه الذات، هذا هو التحقيق الأنيق، أمّا ما قال الشامي: إنّ انصراف المطلق إلى الفرد الكامل يذكر في مقام الاعتذار فمحله إذا حمل المطلق على كامل في وصفٍ آخر وراء الكمال في الذات أتقنه، فإنّه علمٌ نفيسٌ وبالله التوفيق، انتهى منه غفر له حفظه ربّه تعالى)).