عنوان الكتاب: دروس البلاغة

ومخالفة القياس بالصرف، وضعف التأليف والتعقيد اللفظيّ بالنحو، والغرابة بكثرة الاطّلاع على كلام العرب، والتعقيد المعنويّ بالبيان،

تلك الأسباب انتفت الفصاحة، فانتفت البلاغة أيضاً، لِمَا علمت من كون الفصاحة شرطاً لتحقّق البلاغة، والثاني: معرفة الأحوال ومقتضياتها ضرورة أنّ إيراد الكلام مطابقاً لمقتضى الحال لا يتأتّى بدون هذه المعرفة، والأسباب المخلّة بالفصاحة أمور بعضها يعرف بعِلْم، وبعضها بعلم آخر، وبعضها لا يعلم بعلمٍ أصلاً بل بالذوق، على ما قال: ½يعرف التنافر بالذوق¼، أي: على ما هو المذهب الصحيح من أنّ كلّ ما عدّه الذوق السليم ثقيلاً متعسّر النطق فهو متنافر، ولا مَدخل فيه لقرب المخارج أو بُعدها، على ما قيل: والذوق قوّة للنفس، بها يدرك لطائف الكلام ووجوه تحسينه، وهو سليقيّ، كما للعرب العَرْباء، وكسبيّ كما للمؤلّدين الممارسين كلام بلغاء العرب المزاولين بنِكَاتهم وأسرارهم ومخالَفة القياس يعرف بالصرف؛ إذ به يعرف أنّ ½موددة¼ في قوله: ½مالي في صدورهم من موددة¼، مخالف للقياس؛ لأنّ من قواعدهم أنّ المثلين إذا اجتمعا في كلمة، وكان الثاني منهما متحرّكاً، ولَم يكن زائداً لغرض، وجب الإدغام وضعف التأليف والتعقيد اللفظيّ يعرف كلّ منهما بالنحو أمّا الأوّل فظاهر، وأمّا الثاني، فلأنّ سببه: إمّا ضعف التأليف، أو اجتماع أمور مخالفة للأصل، والنحو يبيّن ما هو الأصل وما هو خلافه والغرابة يعرف بكثرة الاطلاع على كلام العرب لأنّ من تيسّر له كثرة الإطلاع على كلامهم، حصل له الإحاطة بالألفاظ المأنوسة، وعلم أنّ ما عداها مِمَّا هو غير ظاهر الدلالة على المعنى الموضوع له، فهو غريب والتعقيد المعنويّ يعرف بالبيان؛ إذ به يعرف


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

239