عنوان الكتاب: دروس البلاغة

نحو: ½أنا رجوتك في هذا الأمر¼، و½أنت وعدتني بإنجازه¼.

والأصل في الخطاب أن يكون لِمُشاهَد معيّن، وقد يُخاطَب غيرُ الْمشاهَد إذا كان مستحضراً في القلب، نحو: ﴿ إِيَّاكَ نَعۡبُدُ ﴾ [الفاتحة: ٥]، وغيرُ المعيّن إذا قصد تعميم الخطاب لكلِّ من يمكن خطابه،

وإنّما قال: ½مع الاختصار¼ احترازاً عن مثل قول الخليفة: ½أمير المؤمنين يأمر بكذا¼، فإنّه وإن كان قد أوتي فيه بالاسم الظاهر مع كون المقام للتكلّم لكن ليس فيه اختصار نحو: ½أنا رجوتك في هذا الأمر¼ فقد أوتي فيه بضمير المتكلّم لكون المقام للتكلّم مع حصول الاختصار وجمع بين ½أنا¼ و½التاء¼ إشارة إلى أنّه لا فرق بين أن يكون الضمير متّصلاً أو منفصلاً، وكذا يقال في مثال الخطاب في وجه الجمع بين الضمير المتّصل والمنفصل، وهو قوله و½أنت وعدتني بإنجازه¼، ولَمَّا كان هذا المثال متضمّناً لمثال الغيبة أيضاً لم يذكر لها مثالاً على حدة، ثُمَّ المثال الأوّل وإن كان أيضاً متضمّناً لمثال الخطاب لكنّه لم يكتف به بل أورد للخطاب مثالاً على حدة؛ لأنّه بصدد تفصيل الخطاب وزيادة البحث فيه، فناسَب أن يذكر له مثالاً بالاستقلال، ثُمَّ يفصّل فيه الكلام ويبحث عن حاله،فلذا أورد مثاله أوّلاً ثُمَّ قال: والأصل في الخطاب أن يكون لِمُشاهَد معيّن أمّا كونه لمشاهد فلأنَّ الخطاب هو توجيه الكلام إلى حاضر، وهو لا يكون في الأغلب إلاّ مشاهداً، وأمّا كونه معيّناً؛ فلأنّ وضع مطلق المعارف على أن يستعمل في معيّن وقد يعدل عن هذا الأصل ويُخاطَب غيرُ الْمشاهَد إذا كان مستحضراً في القلب لجعل ذلك الحضور بمنـزلة المشاهدة نحو: ﴿ إِيَّاكَ نَعۡبُدُ فإنّ المخاطب فيه وهو ذاته تعالى وإن لم يكن مشاهداً، لكنّه لاستحضاره في القلب جعل بمنـزلة المشاهد، وخوطب خطابَ المشاهَد و كذا قد يخاطب غيرُ المعيّن إذا قصد تعميم الخطاب لكلِّ من يمكن خطابه أي: على سبيل البدل لا على سبيل


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

239