وقوله صلى الله عليه وسلم: (وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا) أي: إذا فعلت سيّئة فاستغفر الله تعالى منها وافعل بعدها حسنة تمحها.
اعلم أنّ ظاهر هذا الحديث يدلّ على أنّ الحسنة لا تمحو إلاّ سيّئة واحدة، وإن كانت الحسنة بعشر، وأنّ التضعيف لا يمحو السيّئة، وليس هذا على ظاهره، بل الحسنة الواحدة تمحو عشر سيّئات. وقد ورد في الحديث ما يشهد لذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((تُكِّبرون دبر كلّ الصلاة عشراً وتحمدون عشراً وتُسبِّحون عشراً فذلك مائة وخمسون باللسان وألف وخمسمائة في الميزان)) ثم قال صلّى الله عليه وسلّم: ((أيّكم يفعل في اليوم الواحد ألفاً وخمسمائة سيّئة))[1] دلّ على أنّ التضعيف يمحو السيّئات. وظاهر الحديث: أنّ الحسنة تمحو السيّئة مطلقاً وهو محمول على السيّئة المتعلّقة بحقّ الله تعالى، أمّا السيّئة المتعلّقة بحقّ العباد من الغضب والغيبة والنميمة، فلا يمحوها إلاّ الاستحلال من العباد، ولا بدّ أن يعيّن له جهة الظلامة، فيقول: قلت عليك كيت وكيت.
وفي الحديث دليل على أنّ محاسبة النفس واجبة، قال صلّى الله عليه وسلّم: ((حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا))[2].
[1] "سنن الكبرى للنسائي"، كتاب عمل اليوم والليلة، باب التسبيح والتكبير...إلخ، ر:٩٩٨٢، ٦/٤٦. ولفظه: ((من قال في دبر كلّ صلاة عشر تسبيحات وعشر تكبيرات وعشر تحميدات في خمس صلوات فتلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان وإذا أخذ مضجعه مائة باللسان وألف في الميزان فأيّكم يصيب في يوم ألفين وخمسمائة سيّئة)).
[2] "سنن الترمذي"، كتاب صفة القيامة، باب ما جاء في صفة الأواني الحوض، ر:٢٤٥٩، ٣/٣٩٧.