عنوان الكتاب: هداية الحكمة

فصل في أن الفلك يتحرك على الاستدارة دائماً

لأن الحركة الحافظة للزمان إمّا أن تكون مستقيمة أو مستديرة، لا جائز أن تكون مستقيمة؛ لأنها حينئذ إما أن تذهب إلى غير النهاية أو ترجع، لا سبيل إلى الأول وإلا لزم وجود بعد غير متناهٍ، ولا سبيل إلى الثاني؛ لأنها لو رجعت لكانت تنتهي إلى طرف، فتكون منقضية للسكون؛ لأن بين كل حركتين مستقيمتين سكونا؛ لأن الميل الموصل إلى ذلك الطرف موجود حال الوصول؛ لأنه يفعل الإيصال حال الوصول، فلو لم يكن موجوداً حال الوصول لاستحال أن يفعل الوصول، وكلّما كان الميل الموصل موجوداً لم يحدث فيه ميل يقتضي كونه غير موصل؛ لاستحالة اجتماع الميلين المتنافيين، فالحال الذي فيه ميل الوصول غير الحال الذي فيه ميل اللاوصول، وكل واحد من الميلين آني؛ لأن الوصول وكونه غير موصل آني؛ لأن حال الوصول لو كان زماناً وانقسم، فحين ما يكون الجسم في أحد طرفيه لم يكن واصلاً إلى المنتهى، هذا خُلف، وكذا حال صيرورته غير موصل، وإذا كان كل واحد منهما آنيا وجب أن يكون بين الآنين زمان لا يتحرك فيه الجسم، وإلا لزم تعاقب الآنين، فيكون الزمان مركبا من أجزاء لا تتجزى، ويلزم منه تركب المسافة من أجزاء لا تتجزى؛ لانطباقها على الحركة، هذا خُلف، فعلم أن الحركة الحافظة للزمان ليست مستقيمة، فتكون مستديرة، وهذه الحركة غير منقطعة وإلا لزم انقطاع الزمان، فإذن يكون الفلك يتحرك على الاستدارة دائماً، وهو المطلوب. هداية: الحبة المرمية إلى فوق عند نزول الجبل تنتهي حركتها إلى السكون، ولكنه غير مانع لحركة الجبل؛ لأن سكونها آني، وحركة الجبل زمانية، وليس بينهما ممانعة.

فصل في أن الفلك متحرك بالإرادة

لأن حركته الذاتية لو لم تكن إرادية لكانت إما طبعية أو قسرية، لا جائز أن تكون طبعية؛ لأن الحركة الطبعيّة هرب عن حالة منافرة وطلب لحالة ملائمة، وذلك في الحركة المستديرة محال، أما أنها لا يمكن أن تكون هرباً فلأن كل نقطة يتحرك عنها الجسم بالحركة المستديرة، فحركته عنها توجهه إليها، والهرب عن الشيء بالطبع استحال أن يكون توجها إليه، وأما أنها ليست طالبة لحالة ملائمة فلأن الطبعية إذا أوصلت الجسم بالحركة إلى الحالة المطلوبة أسكنته، والمستديرة ليست كذلك، ولا جائز أن تكون قسرية؛ لأن القسر على خلاف الطبع، فحيث لا طبع لا قسر فيه.


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

118