واحد منها بالطبع حيز الآخر، والتالي باطل فالمُقدّم مثلُه، وکل واحد منها قابل لِلکون والفساد؛ لأنّ الماء ينقلبُ حجراً والحجر ينحل ماءً، وکذا الهواء ينقلب ماءً کما يُری في قُلَل الجبال، فإنّه يغلظ الهواء ويصير ماءً ويتقاطر دفعةً، والماء أيضاً ينقلب هواء بالتبخير، وکذا الهواء ينقلب ناراً کما في کور الحدادين، والنار أيضاً ينقلب هواءً کما يُشاهَد في المِصباح، ونقول أيضاً: الکيفيات زائدة علی الصورة الطبعية؛ لأنها تستحيل في الکيفيّات مثل التسخُّن والتبرُّد مع بقاء الصورة الطبعية بذواتها، ولو کانت نفسُ الصور الطبعية لاستحالَ ذلک، والبسائط اذا اجتمعت في المرکب، وفعل بعضها في بعض بقواها، وکسر کل واحد منها سورة کيفية الأُخرى، فتحصل کيفية متوسطة توسُّطاً ما بين الکيفيّات المتضادّة مُتشابهة في أجزائه، وهو المِزاج.
فصل في كائنات الجوّ
أمّا السحاب والمَطر وما يتعلّق بهما فالسبب الأكثري في ذلك تكاثُف أجزاء البُخار الصاعد؛ لأنّ ما يجاور الماء من الهواء يستفيد كيفية البرد من الماء، ثم الطبقة التي ينقطع عنها تأثير شعاع الشمس تبقي باردة، فإذا بلغ البُخار في صعوده إليها تكاثُف بواسطة البَرد، فإن لم يكن البردُ قوياً اجتمع ذلك وتقاطر، فالمجتمع هو السحاب والمتقاطر هو المطر، وإن كان البرد قوياً فإمّا أن يصل البرد إلى أجزاء السحاب قبل اجتماعها أو لا يصل، فإن وصل قبل اجتماعها ينزل السحاب ثلجاً، وإن لم يصل ينزل برداً، وأمّا إذا لم يصل إلى الطبقة الباردة فإن كان كثيراً فقد ينعقد سحاباً ماطِراً، وقد لا ينعقد، ويسمّى ضباباً، وإن كان قليلاً، فإذا ضربه البرد فإن لم ينجمد فهو الطلّ، وإن انجمد فهو الصقيع، وأمّا الرعد والبرق فسببهما أن الدخان إذا ارتفع واحتبس فيما بين السحاب، فما صعد من الدخان إلى العلوّ مزق السحاب تمزيقاً عنيفاً، فيحصل صوت هائل هو الرعد بتمزيقه وإن اشتعل الدخان بالحركة كان برقاً وصاعقةً. وأمّا الرّياح فقد تُكوَّن بسبب أن السحاب إذا ثقل لكثرة البرد اندفع إلى السفل، فصار هواء متحركاً، وقد تُكوَّن لاندفاع يعرض فيصير السحاب من جانب إلى طرف آخر، وقد تكون لانبساط الهواء بالتخلخل في جهة، وقد تكون بسبب برد الدخان المتصعد ونزوله، ومن الرياح ما يكون سموماً محرقاً؛ لاحتراقه في نفسه بالأشعة، أو لمُروره بالأرض الحارّة جدّاً. وأمّا قوس قزح فهي إنّما تحدث من ارتسام ضوء النير الأكبر في أجزاء رشية