واستمرّ الناس على هذه المكارم والمعالي في عصورنا الذهبية في ظلال الإسلام الوارفة وقوانينه العادلة السمحة، ورجال الإسلام العباقرة ونوابغه كانوا يحملون لواء العلم والفن ويشقون الطريق ولا يعتريهم أيّ سدّ وحدّ ولا تحول دونهم معوقات وعراقيل ضعيفة كانت أو قوية.
كانت في قلوبهم العقيدة الإسلامية الخالصة راسخة عميقة وهي تجعل المسلم قادراً على تحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات من غير أن يتضعضع ويتزلزل ويتخلف وقد خضعت له الدنيا وأهلها وجاءت إليه راغمة متصاغرة والكتاب والسنّة دستور هذه الأمة وهما أوثق مصدر وأكبر منبع إنّهما أساسان كبيران في تشريع القوانين وتطبيق المسائل وتنفيذ الأحكام ولا تزال تتفجر منهما ينابيع الفضائل الإنسانية الكبرى إلى يوم الساعة.
إنّ المسلمين قد نشروا العلم والحكمة في شتّى جهات العالم وغرسوا حبّها والولوع بها بين الأقوام والقبائل المعاصرة التي لم تكن تدري شيئاً منها في ذلك الوقت إنّهم قد أقبلوا عليها درساً وفهماً وبنوا لها المعاهد والمراكز وجدّوا فيها واجتهدوا وكشفوا رموزها وفتحوا كنوزها حتى نالوا مكانة الإمامة والقيادة وأوجدوا بعض العلوم في عهدهم اللامع المشرق وأصلحوا أخطاء المتقدمين وضبطوا القواعد ووضعوا الأصول وأدخلوا فيها تحسينات تدلّ على نبوغهم ومهارتهم المرموقة بل تشير إلى قوة إيجادهم واختراعهم بأن نالوا منزلة المبتكرين في تلك الفنون أيضاً ونسي طالبوها الرجال الأوّلين.
إنّهم قد أضاؤوا القلوب بضياء عقيدتهم السنّية وأناروا العقول والأذهان بنور علومهم الشريفة وكانت الغرب في تلك الأيام في ظلمات بعضها فوق