وثانيهما: أن يُثبَت لشيء صفةُ مدح ويؤتى بعدها بأداة استثناء تليها صفةُ مدح أخرى، كقوله:
فَتًى كَمُلَتْ أَوْصَافُهُ غَيْرَ أَنَّهُ |
| جَوَادٌ فَمَا يُبْقِىْ عَلَى الْمَالِ بَاقِيَا |
فيهم صفة ذم منفية; لأنّه نفي لكل عيب وقوله: ½غير أنّ سيوفهم¼ استثناء من هذه الصفة وهو في نفسه صفة مدح لظهور أنّه إنما يكون من مصادمة الأقران في الحروب وذلك من الدليل على كمال الشجاعة لكن جعله مستشنا لا يتأتّى إلاّ على تقدير دخوله في العيب; لأنّ الأصل في الإتيان بأداة الاستثناء بعدعموم النفي استثناء الإثبات من جنس المنفي وهو العيب فقد استثنى فيه من صفة ذمّ منفية صفة مدح على تقدير دخولها فيها، ووجه تاكيد المدح فيه أنّه لما أتي بصفة المدح بعد أداة الاستثناء دلّ على أنّه طلب الأصل الذي هو استثناء العيب، فلمّا لم يجده اضطرّ إلى استثناء المدح وتحويل الاستثناء عن أصله إلى الانقطاع فجاء تاكيد المدح وزيادة بهذا الوجه وإن كان ذلك باعتبار أصل دلالة الأداة ذمّا فهو من تاكيد المدح بما يشبه الذمّ وثانيهما: أن يثبت لشيء صفة مدح ويؤتى بعدها بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى لذلك الشيء الموصوف بالأولى كقوله :فتى يجوز أن يكون في موضع نصب على المدح والاختصاص، أي: أذكر فتى، هذه صفتها ويجوز أن يكون في موضع رفع على أنّه خبر مبتدأ محذوف، كأنّه قال: هو فتى كملت أوصافه غير أنّه جواد فما يبقى على المال باقيا فقوله: كملت أوصافه صفة مدح يشعر بكمال الموصوف والإتيان بأداة الإستثناء أي: كلمة غير بعدها يشعر بأنّه أريد إثبات مخالف لما قبلها; لأنّ الاستثناء أصله المخالفة فيفهم الذمّ من هذا الوجه لكن لما كان الماتي به هاهنا هو كونه في غاية الجود المستلزم; لتاكيد كماله في الأوصاف جاء زيادة المدح وتاكيده فكان مدحا في صورة الذمّ.