الحمد لله الذي جعل أهل الحديث في الحديث والقديم نخبة خلقه، وحباهم بالإجلال والتعظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تُنجي قائلَها من نار الجحيم، وتوجب له الفوز بجنات النعيم. وأشهد أنّ مولانا محمداً عبده ورسوله، المبعوثُ بالدين القويم، والصراطِ المستقيم، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه المخصوصين بالفيض العميم.
أمَّا بعد: فإنّ حفظَ العلم من ضروريات طالبِ العلم والعالم على السواء، فالعلم بما حوى الصدر لا بكثرة جمع الكتب، فكما قيل: مَن حفظ المتونَ حاز على الفنون[1]، وحفظ القليل أولى من جمع الكثير مع المداومة على الحفظ؛[2] لأنّ حفظ العلوم كإلقاء البذور، والتفكر في معانيها كالسقي[3]. وعند الحكماء: مَن يَقدر على حفظ العلم والآداب وهو مقصِّر فيه فليس بإنسان كامل، والكامل مِن الناس مَن عرف فضلَ العلم ثم إن قَدرَ عليه طَلَبَه. وروي: أن رجلاً قال لخالد بن صفوان: ما لي إذا رأيتكم تذاكرون الأخبار وتدارسون الآثار وتناشدون الأشعار وقع عليَّ النوم؟ فقال: لأنك حمار في مسلاخ إنسان[4].