حيث كَنَى بالجمود عن السرور مع أنّ الجمود يكنى به عن البخل وقت البكاء.
٣ وفصاحة المتكلم ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بكلام فصيح في أيّ غرض كان
فكَنَى بـ½سكب الدموع¼ عن وجود الحزن الذي يحصل كثيراً عن فراق الأحبّة، وأصاب في هذه الكناية لسرعة فهم الحزن من سكب الدموع عُرفاً، ولكنّه أخطأ حيث كَنَى بالجمود عن السرور بدوام لقاء الأحبّة مع أنّ الجمود يكنى به عن البخل بالدموع وقت البكاء وهو وقت الحزن علی مفارقة الأحباب؛ لأنّه الذي يفهم من جمودها بسرعة، لا دوام السرور والفرح الذي قصده، وفي معنى هذا البيت وجهان: أحدهما: أنّ عادة الزمان والإخوان المعاملة بنقيض المطلوب وعكس المقصود، فأطلب خلاف المراد لمغالَطة الزمان والإخوان، فيأتون بالمراد، وهذا علی وجه الظرافة والتخييل الشعريّ، والثاني: أنّ المراد بطلب الفراق طيب النفس به وتوطينها علی المكروه المؤدّي إلی إفاضة الدموع؛ ليحصل عن ذلك دوام السرور بدوام التلاقي، فإنّ الصبر مفتاح الفرج ٣ وفصاحة المتكلّم ملكة الملكة عبارة عن كيفيّة نفسانيّة رسخت برسوخ أمثالها وبتواليها في النفس يقتدر بها على التعبير عن المقصود وإنّما قال: ½يقتدر بها¼، ولَم يقل: ½يعبّر¼؛ لأنّه لا يشترط النطق بالفعل، ثُمَّ المراد بالقدرة: ½القدرة بالمباشرة¼، فلا ينتقض بالحياة؛ لأنّ الاقتدار بِها ليس بالمباشرة بل بتوسط سليقة عربيّة، أو تعلّم ومُمارَسة بكلام فصيح وإنّما قال: ½بكلام فصيح¼، ولَم يقل: ½بلفظ فصيح¼، ليعمّ المفرد والمركب كما في "التلخيص"؛ لأنّ مقصود المتكلّم لا يكون في الأكثر إلاّ الإخبار والطَلَب، وكلّ منهما يعبّر بالمركّب الإسناديّ والكلام في أيّ غرض كان من أنواع المعاني كالمدح والذمّ وغيرهما، حتّی لو حصل لشخص ملكة