طويلةً، ولم أر فيه جواباً إلاّ ما فهمته الآن من كلامهم، وهو أنّهم نقلوا عن أصحابنا[1] أنّه لا يحلّ لأحدٍ أن يفتي بقولنا حتى يعلم من أين قلنا!، حتى نقل في السراجية: أنّ هذا سبب مخالفة عصام[2] للإمام، وكان يفتي بخلاف قوله كثيراً؛ لأنّه لم يعلم الدليل وكان يظهر له دليل غيره فيفتي به، فأقول: إنّ هذا الشرط كان في زمانهم، أمّا في زماننا فيكتفى بالحفظ كما في القنية[3] وغيرها، فيحلّ الإفتاء بقول الإمام بل يجب وإن لم نعلم من أين
[1] قال الرملي: هذا مرويّ عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، وكلامه هنا موهم أنّ ذلك مرويّ عن المشايخ كما هو ظاهر من سياق اﻫ.
أقول: أيّ حرف في كلامه يوهم روايته عن المشايخ، وأيّ سياق يظهره؟ إنّما جعل خلاف المشايخ؛ لأنّهم منهيّون عن الإفتاء بقول الأصحاب ما لم يعرفوا دليله فهم منهيّون؛ لا ناهون، أمّا الأصحاب فنَعم روي عنهم كما روي عن الإمام رضي الله تعالى عنهم، في ٠مناقب الإمام٠ للإمام الكَردَري عن عاصم بن يوسف: (لم ير مجلس أنبل من مجلس الإمام، وكان أنبل أصحابه أربعةً: زفر وأبويوسف وعافية وأسد بن عمرو، وقالوا: لا يحلّ لأحد أن يفتي بقولنا حتى يعلم من أين قلنا، ولا أن يروي عناّ شيئاً لم يسمعه منّا)، [٠المناقب للكردري٠، ٢/٢١٤]، وفيها عن أبي جبلة سمعت محمداً يقول: (لا يحل لأحد أن يروي عن كتبنا إلاّ ما سمع أو يعلم مثل علمْنا). [٠المناقب للكردري٠، ٢/١٥٢]، ١٢ منه غفر له.
[2] هو أبو عصمة عصام بن يوسف بن ميمون بن قدامة الحنفي البلخي (ت٢١٥ﻫ)، له: ٠مختصر٠ في الفقه. (٠معجم المؤلفين٠، ٢/٣٧٨، ٠هدية العارفين٠، ١/٦٦٣).
[3] ٠قنية المنية لتتميم الغنية٠: لأبي الرجاء نجم الدين مختار بن محمود الزاهدي الحنفي الغزميني (ت٦٥٨ﻫ).
(٠كشف الظنون٠، ٢/١٣٥٧، ٠هدية العارفين٠، ٢/٤٢٣).