زماننا من أصحابنا إذا استفتى في مسألة وسئل عن واقعة، إن كانت المسألة مرويةً عن أصحابنا في الروايات الظّاهرة بلا خلاف بينهم، فإنّه يميل إليهم ويفتي بقولهم ولا يخالفهم برأيه وإن كان مجتهداً متقناً؛ لأنّ الظّاهر أن يكون الحقّ مع أصحابنا، ولا يعدوهم واجتهاده لا يبلغ اجتهادهم، ولا ينظر إلى قول مَن خالفهم، ولا تقبل حجّته؛ لأنّهم عرفوا الأدلّة، وميّزوا بين ما صحّ وثبت وبين ضدّه. فإن كانت المسألة مختلفاً فيها بين أصحابنا، فإن كان مع أبي حنيفة رحمه الله تعالى أحد صاحبَيه يؤخذ بقولهما لوفور الشرائط واستجماع أدلّة الصواب فيهما، وإن خالف أبا حنيفة رحمه الله تعالى صاحباه في ذلك، فإن كان اختلافهم اختلاف عصرٍ وزمانٍ كالقضاء بظاهر العدالة يأخذ بقول صاحبَيه لتغيّر أحوال الناس، وفي المزارعة والمعاملة ونحوهما يختار قولهما لاجتماع المتأخّرين على ذلك. وفيما سوى ذلك قال بعضهم: يتخير المجتهد، ويعمل بما أفضى إليه رأيه، وقال عبد الله بن المبارك: يأخذ بقول أبي حنيفة رحمه الله تعالى) اﻫ.
أقول ولوجه ربّنا الحمد: أتى بكلّ ما قصدناه، فاستثنى التعامل وما تغير فيه الحكم لتغيّر الأحوال فقد جمع الوجوه الستّة التي ذكرناها، ونصّ أنّ أهل النظر ليس لهم خلاف الإمام إذا وافقه أحد صاحبَيه فكيف إذا وافقاه!؟ ثم ما ذكر من القولَين فيما عداها لا خلفَ بينهما في المقلّد، فالأوّل بتقييد التخيير بالمجتهد أفاد أن لا خيارَ لغيره، والثاني حيث منع المجتهد عن التخيير فهو للمقلد أمنع، فاتفق القولان على أنّ المقلّد لا يتخير، بل يتبع الإمام وهو المرام.