أما بعد! فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( قَالَ الله تعالی: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي[1] فَمَنْ نَازَعَنِي فِيْهِمَا قَصَمْتُهُ[2]))[3] وقال صلى الله عليه وسلم: ((ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ[4]، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ[5]))[6] فالكبر والعجب داءان مهلكان، والمتكبر والمعجب سقيمان مريضان، وهما عند الله ممقوتات بغيضان، وإذا كان القصد في هذا الربع من كتاب إحياء علوم الدين شرح المهلكات وجب إيضاح الكبر والعجب فإنهما من قبائح المرديات[7]. ونحن نستقصي بيانهما من الكتاب في شطرين: شطر في الكبر، وشطر في العجب.
الشطر الأول من الكتاب في الكبر:
وفيه بيان ذم الكبر، وبيان ذم الاختيال، وبيان فضيلة التواضع، وبيان حقيقة التكبر وآفته، وبيان من يتكبر عليه ودرجات التكبر، وبيان ما به التكبر، وبيان البواعث على التكبر، وبيان أخلاق المتواضعين وما فيه يظهر الكبر، وبيان علاج الكبر، وبيان امتحان النفس في خلق الكبر، وبيان المحمود من خلق التواضع والمذموم منه.
قد ذم الله الكبر في مواضع من كتابه وذم كل جبار متكبر فقال تعالى: ﴿سَأَصۡرِفُ عَنۡ ءَايَٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ﴾ [الأعراف:١٤٦] وقال عز وجل: ﴿كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ﴾ [المؤمن:۳۵] وقال تعالى: ﴿وَٱسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ﴾ [ابراهيم:١٥] وقال تعالى: ﴿إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ﴾ [النحل:٢٣] وقال تعالى: ﴿لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوّٗا كَبِيرٗا﴾ [الفرقان:٢١] وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [المؤمن:٦٠] وذم الكبر في القرآن كثير وقد قال
[1] أي أنه خاص صفتي فلا يليق إلا بي فالمنازع فيه منازع في صفة من صفاتي، فإذا كان الكبر على عباده لا يليق إلا به فمن تكبر على عباده فقد جني عليه. قال القاضي عياض: والكبرياء: الكبر وهو الترفع على الغير بأن يرى لنفسه عليه شرفاً، والعظمة: كون الشيء في نفسه كاملاً شريفاً مستغنياً فالأول أرفع من الثاني إذ هو غاية العظمة. (فيض القدير، اتحاف)
[2] أي أذللته وأهنته أو قربت هلاكه. (اتحاف)
[3] …المستدرك ، كتاب الإيمان، أهل الجنة المغلوبون الضعفاء ...الخ ، الحديث :۲۱۰، ١/٢٣٥.
[4] أي بُخل يُطِيعُه الإنسانُ فلا يؤدّي ما عليه مِن حقّ الحقّ (عزّوجلّ) وحقِ الخلق، فلا يكون مجرَّد الشحّ مهلكاً إلا إذا كان مُطاعا، وإلا فهو مِن لوازم النفس. (اتحاف)
[5] أي تحسين كل أحد نفَسه على غيره وإن كان قبيحاً. (اتحاف)
[6] … شعب الإيمان ، باب في الخوف من الله، الحديث :۷٤٥، ۱/٤۷۱.
[7] أي المهلكات. [علمية]