عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

من هذا تتفاوت الأحوال في حق الذام، وأول درجاته إظهار الغضب وآخرها إظهار الفرح، ولا يكون الفرح وإظهاره إلا ممن في قلبه حَنَقٌ[1] وحقد على نفسه لتمردها عليه وكثرة عيوبها ومواعيدها الكاذبة وتلبيساتها الخبيثة، فيبغضها بغض العدو. والإنسان يفرح ممن يذم عدوه وهذا شخص عدوه نفسه فيفرح إذا سمع ذمها ويشكر الذام على ذلك ويعتقد فطنته وذكاءه لما وقف على عيوبها، فيكون ذلك كالتشفي له من نفسه ويكون غنيمة عنده؛ إذ صار بالمذمة أوضع[2] في أعين الناس حتى لا يبتلي بفتنة الناس، وإذا سيقت إليه حسنات لم ينصب[3] فيها فعساه يكون خيراً لعيوبه التي هو عاجز عن إماطتها، ولو جاهد المريد نفسه طول عمره في هذه الخصلة الواحدة وهو أن يستوي عنده ذامه ومادحه لكان له شغل شاغل فيه لا يتفرغ معه لغيره وبينه وبين السعادة عقبات كثيرة هذه إحداها، ولا يقطع شيئًا منها إلا بالمجاهدة الشديدة في العمر الطويل.

الشطر الثاني من الكتاب في طلب الجاه والمنزلة بالعبادات:

وهو الرياء: وفيه بيان ذم الرياء وبيان حقيقة الرياء وما يرائي به، وبيان درجات الرياء، وبيان الرياء الخفي، وبيان ما يحبط العمل من الرياء وما لا يحبط، وبيان دواء الرياء وعلاجه، وبيان الرخصة في إظهار الطاعات، وبيان الرخصة في كتمان الذنوب، وبيان ترك الطاعات خوفا من الرياء والآفات، وبيان ما يصح من نشاط العبد للعبادات بسبب رؤية الخلق، وبيان ما يجب على المريد أن يلزمه قلبه قبل الطاعة وبعدها، وهي عشرة فصول وبالله التوفيق.

بيان ذم الرياء:

اعلم أن الرياء حرام والمرائي عند الله ممقوت، وقد شهدت لذلك الآيات والأخبار والآثار.

 أما الآيات: فقوله تعالى: ﴿فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ (٤) ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ (٥) ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ[الماعون:٦،٤] وقوله عز وجل: ﴿وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ[فاطر:١٠] قال مجاهد هم أهل الرياء وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمۡ جَزَآءٗ وَلَا شُكُورًا[الدهر:٩] فمدح المخلصين ينفي كل إرادة سوى وجه الله، والرياء ضده. وقال تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا[الكهف: ١١٠] نزل ذلك فيمن يطلب الأجر والحمد بعباداته وأعماله.


 



[1]      محركة أي غيرة. (اتحاف)

[2]      أى أحقر. (اتحاف)

[3]      أى لم يتعب. (اتحاف)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178