أني رجل شيخ كبير وأني أغزو فأكلف فرساً وبغلاً وأكلف فسطاطاً وأن لي ثلث مائة درهم من العطاء وأن لي سبع بنات من العيال! فشكا من حاله حتى رق الحسن له وأصحابه والحسن مكب[1] فلما فرغ الرجل من كلامه رفع الحسن رأسه فقال: ما لهم قاتلهم الله اتخذوا عباد الله خولاً[2] ومال الله دولاً وقتلوا الناس على الدينار والدرهم فإذا غزا عدو الله غزا في الفساطيط الهبابة[3] وعلى البغال السباقة وإذا أغزى أخاه أغزاه طاوياً[4] راجلاً فما فتر الحسن حتى ذكرهم بأقبح العيب وأشده، فقام رجل من أهل الشام كان جالساً إلى الحسن فسعى به إلى الحجاج وحكى له كلامه فلم يلبث الحسن أن أتته رسل الحجاج فقالوا: أجب الأمير فقام الحسن وأشفقنا عليه من شدة كلامه الذي تكلم به، فلم يلبث الحسن أن رجع إلى مجلسه وهو يبتسم وقلما رأيته فاغراً[5] فاه يضحك إنما كان يتبسم فأقبل حتى قعد في مجلسه فعظم الأمانة وقال: إنما تجالسون بالأمانة كأنكم تظنون أن الخيانة ليست إلا في الدينار والدرهم إن الخيانة أشد الخيانة أن يجالسنا الرجل فنطمئن إلى جانبه ثم ينطلق فيسعى بنا إلى شرارة من نار؟ إني أتيت هذا الرجل فقال: أقصر عليك من لسانك وقولك إذا غزا عدو الله غزا كذا وكذا، وإذا أغزى أخاه أغزاه كذا لا أبال! تحرض علينا الناس؟ أما إنا على ذلك لا نتهم نصيحتك فأقصر عليك من لسانك، قال: فدفعه الله عني. وركب الحسن حماراً يريد المنزل فبينما هو يسير إذا التفت فرأى قوماً يتبعونه فوقف فقال: هل لكم من حاجة أو تسألون عن شيء؟ وإلا فارجعوا فما يبقى هذا من قلب العبد؟ فبهذه العلامات وأمثالها تتبين سريرة الباطن. ومهما رأيت العلماء يتغايرون ويتحاسدون ولا يتوانسون ولا يتعاونون فاعلم أنهم قد اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فهم الخاسرون اللهم ارحمنا بلطفك يا أرحم الراحمين.
بيان ما يصح من نشاط العبد للعبادة بسبب رؤية الخلق وما لا يصح:
اعلم أن الرجل قد يبيت مع القوم في موضع فيقومون للتهجد، أو يقوم بعضهم فيصلون الليل كله أو بعضه، وهو ممن يقوم في بيته ساعة قريبة، فإذا رآهم انبعث نشاطه للموافقة حتى يزيد على ما كان يعتاده، أو يصلي مع أنه كان لا يعتاد الصلاة بالليل أصلاً، وكذلك قد يقع في موضع يصوم فيه أهل الموضع فينبعث له نشاط في الصوم ولولاهم لما انبعث هذا النشاط، فهذا ربما يظن أنه رياء وأن الواجب ترك الموافقة، وليس كذلك على الإطلاق بل له تفصيل لأن كل مؤمن راغب في عبادة الله تعالى