نفسه، وكذلك طلب استرقاق العبيد واستعباد الأشخاص الأحرار ولو بالقهر والغلبة حتى يتصرف في أجسادهم وأشخاصهم بالاستسخار، وإن لم يملك قلوبهم، فإنها ربما لم تعتقد كماله حتى يصير محبوباً لها ويقوم القهر منزلته فيها، فإن الحشمة القهرية أيضاً لذيذة لما فيها من القدرة.
القسم الثاني: نفوس الآدميين وقلوبهم وهي أنفس ما على وجه الأرض، فهو يحب أن يكون له استيلاء وقدرة عليها لتكون مسخرة له متصرفة تحت إشارته وإرادته لما فيه من كمال الاستيلاء والتشبه بصفات الربوبية. والقلوب إنما تتسخر بالحب ولا تحب إلا باعتقاد الكمال، فإن كل كمال محبوب؛ لأن الكمال من الصفات الإلهية والصفات الإلهية كلها محبوبة بالطبع للمعنى الرباني من جملة معاني الإنسان، وهو الذي لا يبليه الموت فيعدمه ولا يتسلط عليه التراب فيأكله، فإنه محل الإيمان والمعرفة وهو الواصل إلى لقاء الله تعالى والساعي إليه.
فإذاً معنى الجاه تسخر القلوب، ومن تسخرت له القلوب كانت له قدرة واستيلاء عليها، والقدرة والاستيلاء كمال وهو من أوصاف الربوبية، فإذن محبوب القلب بطبعه الكمال بالعلم والقدرة والمال، والجاه من أسباب القدرة ولا نهاية للمعلومات ولا نهاية للمقدورات، وما دام يبقى معلوم أو مقدور فالشوق لا يسكن، والنقصان لا يزول. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْهُوْمَانِ لاَ يَشْبَعَانِ)) [1] فإذاً مطلوب القلوب الكمال، والكمال بالعلم والقدرة وتفاوت الدرجات فيه غير محصور، فسرور كل إنسان ولذته بقدر ما يدركه من الكمال.
فهذا هو السبب في كون العلم والمال والجاه محبوباً، وهو أمر وراء كونه محبوباً لأجل التوصل إلى قضاء الشهوات، فإن هذه العلة قد تبقى مع سقوط الشهوات بل يحب الإنسان من العلوم ما لا يصلح للتوصل به إلى الأغراض، بل ربما يفوت عليه جملة من الأغراض والشهوات، ولكن الطبع يتقاضى طلب العلم في جميع العجائب والمشكلات لأن في العلم استيلاء على المعلوم وهو نوع من الكمال الذي هو من صفات الربوبية فكان محبوباً بالطبع، إلا أن في حب كمال العلم والقدرة أغاليط لا بد من بيانها إن شاء الله تعالى.
بيان الكمال الحقيقي والكمال الوهمي الذي لا حقيقة فيه:
قد عرفت أنه لا كمال بعد فوات التفرد بالوجود إلا في العلم والقدرة، ولكن الكمال الحقيقي فيه متلبس بالكمال الوهمي، وبيانه أن كمال العلم لله تعالى وذلك من ثلاثة أوجه: