فلا ينبغي أن يفرح إلا بفضل الله تعالى وثنائه عليه إذ ليس أمره بيد الخلق. ومهما علم أن الأرزاق والآجال بيد الله تعالى قل التفاته إلى مدح الخلق وذمهم وسقط من قلبه حب المدح واشتغل بما يهمه من أمر دينه. والله الموفق للصواب برحمته.
قد سبق أن العلة في كراهة الذم هو ضد العلة في حب المدح. فعلاجه أيضاً يفهم منه. والقول الوجيز[1] فيه، أن من ذمك لا يخلو من ثلاثة أحوال: إمّا أن يكون قد صدق فيما قال وقصد به النصح والشفقة، وإما أن يكون صادقاً ولكن قصده الإيذاء والتعنت، وإمّا أن يكون كاذباً. فإن كان صادقاً وقصده النصح فلا ينبغي أن تذمه وتغضب عليه وتحقد بسببه، بل ينبغي أن تتقلد منته فإن من أهدى إليك عيوبك فقد أرشدك إلى المهلك حتى تتقيه، فينبغي أن تفرح به وتشتغل بإزالة الصفة المذمومة عن نفسك إن قدرت عليها. فأما اغتمامك [2] بسببه وكراهتك له وذمك إياه فإنه غاية الجهل.
وإن كان قصده التعنت فأنت قد انتفعت بقوله إذ أرشدك إلى عيبك إن كنت جاهلاً به، أو ذكرك عيبك إن كنت غافلاً عنه، أو قبحه في عينك لينبعث حرصك على إزالته إن كنت قد استحسنته. وكل ذلك أسباب سعادتك وقد استفدته منه فاشتغل بطلب السعادة فقد أُتِيْحَ لك[3] أسبابها بسبب ما سمعته من المذمة. فمهما قصدت الدخول على ملك وثوبك ملوث بالعَذِرة وأنت لا تدري، ولو دخلت عليه كذلك لخِفت أن يحز[4] رقبتك لتلويثك مجلسه بالعَذِرة، فقال لك قائل: أيّها الملوَّث بالعَذِرة طَهِّرْ نفسك، فينبغي أن تفرح به لأن تنبيهك بقوله غنيمةٌ، وجميع مساوئ الأخلاق مهلكة في الآخرة والإنسان إنما يعرفها من قول أعدائه فينبغي أن تغتنمه. وأمّا قصد العدو التعنت فجناية منه على دين نفسه وهو نعمة منه عليك فلم تغضب عليه بقول انتفعت به أنت وتضرر هو به؟.
الحالة الثالثة: أن يفتري عليك بما أنت بريء منه عند الله تعالى فينبغي أن لا تكره ذلك ولا تشتغل بذمه بل تتفكر في ثلاثة أمور:
أحدها: أنّك إن خلوت من ذلك العيب فلا تخلو عن أمثاله وأشباهه وما ستره الله من عيوبك أكثر، فاشكر الله تعالى إذ لم يطلعه على عيوبك ودفعه عنك بذكر ما أنت بريء عنه.