وقال قتادة في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ﴾ [المدثر: ٦] أي لا تدل بعملك. وفي الخبر: ((إِنَّ صَلاَةَ الْمُدِلِّ لاَ تُرْفَعُ فَوْقَ رَأْسِهِ وَلأَنْ تَضْحَكَ وَأَنْتَ مُعْتَرِفٌ بِذَنْبِكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَبْكِيَ وَأَنْتَ مُدِلٌّ بِعَمَلِكَ))[1].
والإدلال وراء العجب فلا مدل إلا وهو معجب وربّ معجب لا يدل، إذ العجب يحصل بالاستعظام ونسيان النعمة دون توقع جزاء عليه، والإدلال لا يتم إلا مع توقع جزاء فإن توقع إجابة دعوته واستنكر ردها بباطنه وتعجب منه كان مدلا بعمله لأنه لا يتعجب من رد دعاء الفاسق ويتعجب من رد دعاء نفسه لذلك فهذا هو العجب والإدلال وهو من مقدمات الكبر وأسبابه. والله تعالى أعلم.
اعلم أن علاج كل علة هو مقابلة سببها بضده وعلة العجب الجهل المحض فعلاجه المعرفة المضادة لذلك الجهل فقط فلنفرض العجب بفعل داخل تحت اختيار العبد كالعبادة والصدقة والغزو وسياسة الخلق وإصلاحهم فإن العجب بهذا أغلب من العجب بالجمال والقوة والنسب وما لا يدخل تحت اختياره ولا يراه من نفسه فنقول:
الورع والتقوى والعبادة والعمل الذي به يعجب إنما يعجب به من حيث إنه فيه فهو محله ومجراه أو من حيث إنه منه وبسببه وبقدرته وقوته فإن كان يعجب به من حيث إنه فيه وهو محله ومجراه يجري فيه وعليه من جهة غيره فهذا جهل لأن المحل مسخر ومجرى لا مدخل له في الإيجاد والتحصيل، فكيف يعجب بما ليس إليه؟ وإن كان يعجب به من حيث إنه هو منه وإليه وباختياره حصل وبقدرته تم فينبغي أن يتأمل في قدرته وإرادته وأعضائه وسائر الأسباب التي بها يتم عمله أنها من أين كانت له؟ فإن كان جميع ذلك نعمة من الله عليه من غير حق سبق له ومن غير وسيلة يدلي بها فينبغي أن يكون إعحابه بجود الله وكرمه وفضله إذ أفاض عليه ما لا يستحق وآثره به على غيره من غير سابقة ووسيلة فمهما برز الملك لغلمانه ونظر إليهم وخلع من جملتهم على واحد منهم لا لصفة فيه ولا لوسيلة ولا لجماله ولا لخدمة فينبغي أن يتعجب المنعم عليه من فضل الملك وحكمه وإيثاره من غير استحقاق وإعجابه بنفسه من أين وما سببه ولا ينبغي أن يعجب هو بنفسه، نعم يجوز أن يعجب العبد فيقول الملك حكم عدل لا يظلم ولا يقدم ولا يؤخر إلا لسبب فلولا أنه تفطن فيَّ صفة من الصفات المحمودة الباطنة لما اقتضى الإيثار بالخلعة ولما آثرني بها فيقال: وتلك الصفة أيضاً هي من خلعة الملك وعطيته التي خصصك بها من غيرك من غير وسيلة أو هي عطية غيره فإن كانت من عطية الملك أيضاً لم يكن لك أن تعجب بها بل كان كما لو أعطاك فرساً فلم تعجب به فأعطاك غلاماً فصرت