وقال بعض الحكماء: الحسد جرح لا يبرأ وحسب الحسود ما يلقي وقال أعرابي: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد إنه يرى النعمة عليك نقمة[1] عليه. وقال الحسن: يا ابن آدم لم تحسد أخاك؟ فإن كان الذي أعطاه لكرامته عليه فلم تحسد من أكرمه الله؟ وإن كان غير ذلك فلم تحسد من مصيره إلى النار؟ وقال بعضهم: الحاسد لا ينال من المجالس إلا مذمة وذلا ولا ينال من الملائكة إلا لعنة وبغضاً ولا ينال من الخلق إلا جزعاً وغماً ولا ينال عند النزع إلا شدة وهولاً ولا ينال عند الموقف إلا فضيحة ونكالاً.
بيان حقيقة الحسد وحكمه وأقسامه ومراتبه:
اعلم أنه لا حسد إلا على نعمة فإذا أنعم الله على أخيك بنعمة فلك فيها حالتان:
إحداهما: أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها وهذه الحالة تسمى حسداً فالحسد حده كراهة النعمة وحب زوالها عن المنعم عليه.
الحالة الثانية: أن لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها ولكن تشتهي لنفسك مثلها وهذه تسمى غِبطة وقد تختص باسم المنافسة وقد تسمى المنافسة حسداً والحسد منافسة ويوضع أحد اللفظين موضع الآخر ولا حجر في الأسامي بعد فهم المعاني وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغْبِطُ وَالْمُنَافِقَ يَحْسُدُ))[2].
فأما الأول فهو حرام بكل حال إلا نعمة أصابها فاجر أو كافر وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين[3] وإيذاء الخلق فلا يضرك كراهتك لها ومحبتك لزوالها فإنك لا تحب زوالها من حيث هي نعمة بل من حيث هي آلة الفساد، ولو أمنت فساده لم يغمك بنعمته ويدل على تحريم الحسد الأخبار التي نقلناها وأن هذه الكراهة تسخط لقضاء الله في تفضيل بعض عباده على بعض وذلك لا عذر فيه ولا رخصة، وأي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك منه مضرة؟ وإلى هذا أشار القرآن بقوله: ﴿إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ﴾ [آل عمران :١٢٠] وهذا الفرح شماتة والحسد والشماتة يتلازمان.
وقال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم﴾ [البقرة: ١٠٩] فأخبر تعالى أن حبهم زوال نعمة الإيمان حسد وقال عز وجل: ﴿وَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءٗۖ﴾ [النساء: ٨٩] وذكر الله تعالى حسد إخوة يوسف عليه السلام وعبر عما في قلوبهم بقوله