القول في ذم الحَسَدِ وفي حقيقته
وأسبابه ومعالجته وغاية الواجب في إزالته:
اعلم أن الحسَد أيضاً من نتائج الحِقْد والحِقْدُ[1] من نتائج الغَضَب فهو فرع فرعه والغضب أصل أصله، ثم إن للحسد من الفروع الذميمة ما لا يكاد يحصى وقد ورد في ذم الحسد خاصة أخبار كثيرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ[2] كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ))[3] وقال صلى الله عليه وسلم في النهي عن الحسد وأسبابه وثمراته: ((لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَقَاطَعُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا[4] وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا))[5] وقال أنس كنا يوما جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ مِنْ هَذَا الْفَجِّ[6] رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ))[7] قال: فطلع رجل من الأنصار ينفض لحيته من وضوءه[8] قد علق نعليه في يده الشمال فسلم فلما كان الغد قال صلى الله عليه وسلم: مثل ذلك فطلع ذلك الرجل وقاله في اليوم الثالث، فطلع ذلك الرجل فلمَّا قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال له: إني لاحيت[9] أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثاً فإن رأيت أن تُؤْوِيَنِي إليك حتى تمضي الثلاث، فَعَلْتَ؟ فقال: نعم، فبات عنده ثلاث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله تعالى، ولم يقم حتى يقوم لصلاة الفجر، قال: غير أني ما سمعته يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث وَكِدْت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله! لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا فأردت أن
[1] الحقد: هو طلب الانتقام، وتحقيقه أن الغضب إذا لزم كَظْمه لعجز عن التشفي في الحال رجع إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقداً. (التعريفات)
[2] قال الطيبي: الأكل هنا استعارة لعدم القبول وأن حسناته مردودة عليه وليست بثابتة في ديوان عمله الصالح حتى يحبط. (فيض القدير)
[3] …سنن أبي داود، كتاب الادب ، باب في الحسد، الحديث : ٤۹۰۳،٤/ ۳٦۱
[4] التدابر: الإعراض والهَجْر والخصومة. (الآداب للبيهقي)
[5] …المسند لابی داود الطيالسي، الزهري عن انس، الحديث : ۲۰۹۱، ص: ۲۸۰.
[6] …المسند للامام احمد بن حنبل، مسند انس بن مالك، الحديث : ۱۲٦۹۷،٤/ ۳۳۲
[7] الفج: الطريق الواسع بين الجبلين. (عمدة القاري كتاب البر والصلة، باب التبسم والضحك)
[8] الوضوء: بالضم مصدر وبالفتح الماء الذي يتوضأ به. (كتاب الكليات)
[9] أي خاصَمتُ. (اتحاف الخيرة، كتاب الأدب)