وأما أهل الدنيا : فمراآتهم بالثياب النفيسة والمراكب الرفيعة وأنواع التوسع والتجمل في الملبس والمسكن وأثاث البيت وفره الخيول وبالثياب المصبغة والطيالسة النفيسة، وذلك ظاهر بين الناس فإنهم يلبسون في بيوتهم الثياب الخشنة ويشتد عليهم لو برزوا للناس على تلك الهيئة ما لم يبالغوا في الزينة.
ورياء أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة وحفظ الأخبار والآثار؛ لأجل الاستعمال في المحاورة وإظهاراً لغزارة العلم ودلالة على شدة العناية بأحوال السلف الصالحين، وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمشهد الخلق، وإظهار الغضب للمنكرات وإظهار الأسف على مقارفة الناس للمعاصي، وتضعيف الصوت في الكلام وترقيق الصوت بقراءة القرآن ليدل بذلك على الخوف والحزن، وادعاء حفظ الحديث ولقاء الشيوخ والرد على من يروي الحديث ببيان خلل في لفظه ليعرف أنه بصير بالأحاديث والمبادرة إلى أن الحديث صحيح أو غير صحيح لإظهار الفضل فيه، والمجادلة على قصد إفحام الخصم ليظهر للناس قوته في علم الدين. والرياء بالقول كثير وأنواعه لا تنحصر.
وأما أهل الدنيا فمراآتهم بالقول بحفظ الأشعار والأمثال والتفاصح في العبارات، وحفظ النحو الغريب للأغراب على أهل الفضل وإظهار التودد إلى الناس لاستمالة القلوب.
كمراآة المصلي بطول القيام ومد الظهر وطول السجود والركوع وإطراق الرأس وترك الالتفات وإظهار الهدء والسكون وتسوية القدمين واليدين وكذلك بالصوم والغزو والحج وبالصدقة وبإطعام الطعام وبالإخبات[1] في المشي عند اللقاء كإرخاء الجُفُوْن[2] وتنكيس الرأس[3] والوقار في الكلام، حتى إن المرائي قد يسرع في المشي إلى حاجته فإذا اطلع عليه أحد من أهل الدين رجع إلى الوقار وإطراق الرأس[4] خوفاً من أن ينسبه إلى العجلة وقلة الوقار، فإن غاب الرجل عاد إلى عجلته فإذا رآه عاد إلى خشوعه ولم يحضره ذكر الله حتى يكون يجدد الخشوع له، بل هو لاطلاع إنسان عليه يخشى أن لا يعتقد فيه أنه من العباد والصلحاء، ومنهم من إذا سمع هذا استحيا من أن تخالف مِشيته في الخلوة مشيته
[1] أى بالخشوع والتواضع. (لسان العرب)
[2] الجفون: جَفْنُ الْعَيْنِ غِطَاؤُهَا مِنْ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلِهَا وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَجَفْنُ السَّيْفِ غِلَافُهُ وَالْجَمْعُ جُفُونٌ وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى أَجْفَانٍ. (المصباح المنير)
[3] أي المطأطئ رأسه. (تاج العروس)
[4] أي خفضه وارخى عينيه ينظر إلى الارض. (نجعة الرائد)