عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

بيان ذم الشهرة وانتشار الصِّيْت:

اعلم أصلحك الله أن أصل الجاه هو انتشار الصيت[1] والاشتهار وهو مذموم بل المحمود الخمول إلا من شهره الله تعالى لنشر دينه من غير تكلف طلب الشهرة منه قال أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حَسْبُ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ[2] أَنْ يُشِيْرَ النَّاسُ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ[3] فِيْ دِيْنِهِ وَدُنْيَاهُ[4] إِلاَّ مَنْ عَصَمَهُ اللهُ[5])) [6] وقال جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الشَّرِّ إِلاَّ مَنْ عَصَمَهُ اللهُ مِنَ السُّوْءِ أَنْ يُشِيْرَ النَّاسُ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ فِيْ دِيْنِهِ وَدُنْيَاهُ إنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَّنْظُرُ إِلَى قُلُوْبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ[7])) [8] ولقد ذكر الحسن رحمه الله للحديث تأويلاً ولا بأس به إذ روي هذا الحديث فقيل له: يا أبا سعيد إن الناس إذا رأوك أشاروا إليك بالأصابع! فقال: إنه لم يعن هذا وإنما عني به المبتدع في دينه، والفاسق في دنياه. وقال علي كرم الله وجهه: تبذل ولا تشتهر ولا ترفع شخصك لتذكر وتعلم، واكتم واصمت تسلم، تسر الأبرار وتغيظ الفجار. وقال إبراهيم ابن أدهم رحمه الله: ما صَدَّقَ اللهَ مَن أحب الشهرةَ. وقال أيوب السختياني: والله ما صدق الله عبد إلا سره أن لا يشعر بمكانه. وعن خالد بن معدان: أنه كان إذا كثرت حلقته قام مخافة الشهرة، وعن أبي العالية: أنه كان إذا جلس إليه أكثر من ثلاثة قام. ورأى طلحة قوماً معه نحواً من عشرة فقال: ذباب طمع وفراش نار.

وقال سليم بن حنظلة: بينا نحن حول أبي بن كعب نمشي خلفه إذ رآه عمر فعلاه بالدرة فقال: انظر يا أمير المؤمنين ما تصنع؟ فقال: إن هذه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع. وعن الحسن قال: خرج ابن مسعود يوما من منزله فاتبعه ناس فالتفت إليهم فقال: علام تتبعوني؟ فوالله لو تعلمون ما أغلق عليه بابي


 



[1]      الصيت بالكسر الذكر الجميل. (اتحاف)

[2]      أي يكفيه منه في أخلاقه ومعاشه ومعاده. (فيض القدير)

[3]      أي يشير الناس بعضهم لبعض بأصابعهم. (فيض القدير)

[4]      فإن ذلك شر وبلاء ومحنة. (فيض القدير)

[5]      لأنه إنما يشار إليه في دين لكونه أحدث بدعة عظيمة فيشار إليه بها وفي دنيا لكونه أحدث منكرا من الكبائر غير متعارف بينهم بخلاف ما تقارب الناس فيه ككثرة صلاة أو صوم فليس محل إشارة ولا تعجب لمشاركة غيره له. (فيض القدير)

[6]      شعب الإيمان، باب في اخلاص العمل لله، الحديث : ٦۹۷۷،  ٥،/۳٦٦

[7]      والله تعالى إنما ينظر إلى ما يحب ويختار، ولا ينظر إلى ما يبغض قال النبي صلى الله عليه وسلم :((إن الله تعالى لم ينظر إلى الدنيا منذ خلقها بغضاً لها)). (بحر الفوائد)

[8]      موسوعة الامام ابن أبي الدنيا، كتاب التواضع والخمول،الحديث:۳۱،  ٣/٥٤٦




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178