العمل. وقال ابن المبارك: إن كان الرجل ليطوف بالبيت وهو بخراسان فقيل له وكيف ذاك؟ قال: يحب أن يذكر أنه مجاور بمكة وقال إبراهيم بن أدهم: ما صدق الله من أراد أن يشتهر.
بيان حقيقة الرياء وما يراءى به:
اعلم أن الرياء مشتق من الرؤية، والسمعة مشتقة من السماع. وإنما الرياء أصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإيرائهم خصال الخير إلا أن الجاه والمنزلة تطلب في القلب بأعمال سوى العبادات وتطلب بالعبادات، واسم الرياء مخصوص بحكم العادة بطلب المنزلة في القلوب بالعبادات وإظهارها، فحد الرياء: هو إرادة العباد بطاعة الله فالمرائي هو العابد والمراءى هو الناس المطلوب رؤيتهم بطلب المنزلة في قلوبهم والمراءى به هو الخصال التي قصد المرائي إظهارها. والرياء هو قصده إظهار ذلك والمراءى به كثير وتجمعه خمسة أقسام وهي مجامع ما يتزين به العبد للناس وهو: البدن، والزي، والقول، والعمل، والأتباع، والأشياء الخارجة. وكذلك أهل الدنيا يراءون بهذه الأسباب الخمسة إلا أن طلب الجاه وقصد الرياء بأعمال ليست من جملة الطاعات أهون من الرياء بالطاعات.
القسم الأول: الرياء في الدين بالبدن:
وذلك بإظهار النُحُوْل[1] والصُفار ليوهم بذلك شدة الاجتهاد وعظم الحزن على أمر الدين وغلبة خوف الآخرة، وليدل بالنحول على قلة الأكل وبالصفار على سهر الليل وكثرة الاجتهاد وعظم الحزن على الدين، وكذلك يرائي بتشعيث الشعر ليدل به على استغراق الهم بالدين وعدم التفرغ لتسريح الشعر. وهذه الأسباب مهما ظهرت استدل الناس بها على هذه الأمور فارتاحت النفس لمعرفتهم فلذلك تدعوه النفس إلى إظهارها لنيل تلك الراحة ويقرب من هذا خفض الصوت وإغارة العينين وذُبُول الشفتين ليستدل بذلك على أنه مواظب على الصوم. وأن وقار الشرع هو الذي خفض من صوته أو ضعف الجوع هو الذي ضعف من قوته، وعن هذا قال المسيح عليه السلام: إذا صام أحدكم فليدهن رأسه ويرجل شعره ويكحل عينيه. وكذلك روي عن أبي هريرة، وذلك كله لما يخاف عليه من نزغ الشيطان بالرياء ولذلك قال ابن مسعود: أصبحوا صياماً مدهنين فهذه مراآة أهل الدين بالبدن فأمّا أهل الدنيا فيراءون بإظهار السمن وصفاء اللون واعتدال القامة وحسن الوجه ونظافة البدن وقوة الأعضاء وتناسبها.
الثاني: الرياء بالهيئة والزِيِّ:
أما الهيئة فبتشعيث شعر الرأس وحلق الشارب وإطراق الرأس في المشي و الهدء في الحركة وإبقاء أثر السجود على الوجه وغلظ الثياب ولبس الصوف وتشميرها إلى قريب من الساق وتقصير