عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

وعلمت أنهم إذا عرفوا تركه الشهوات وتوقيه الشبهات وتحمله مشاق العبادات أطلقوا ألسنتهم بالمدح والثناء وبالغوا في التقريظ والإطراء[1] ونظروا إليه بعين التوقير والاحترام وتبركوا بمشاهدته ولقائه ورغبوا في بركة دعائه وحرصوا على اتباع رأيه، وفاتحوه بالخدمة والسلام، وأكرموه في المحافل غاية الإكرام، وسامحوه في البيع والمعاملات وقدموه في المجالس، وآثروه بالمطاعم والملابس وتصاغروا له متواضعين، وانقادوا له في أغراضه موقرين، فأصابت النفس في ذلك لذة هي أعظم اللذات وشهوة هي أغلب الشهوات فاستحقرت فيه ترك المعاصي والهَفَوات[2] واستلانت خشونة المواظبة على العبادات لإدراكها في الباطن لذة اللذات وشهوة الشهوات فهو يظن أن حياته بالله وبعبادته المرضية، وإنما حياته بهذه الشهوة الخفية التي تعمي عن دركها العقول النافذة القوية، ويرى أنه مخلص في طاعة الله ومجتنب لمحارم الله والنفس قد أبطنت هذه الشهوة تزييناً للعباد وتصنعاً للخلق وفرحاً بما نالت من المنزلة والوقار وأحبطت بذلك ثواب الطاعات وأجور الأعمال وقد أثبتت اسمه في جريدة المنافقين وهو يظن أنه عند الله من المقربين.

وهذه مكيدة للنفس لا يسلم منها إلا الصديقون، ومهواة لا يرقى منها إلا المقربون ولذلك قيل: آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الرياسة وإذا كان الرياء هو الداء الدفين[3]  الذي هو أعظم شبكة للشياطين وجب شرح القول في سببه وحقيقته ودرجاته وأقسامه وطرق معالجته والحذر منه ويتضح الغرض منه في ترتيب الكتاب على شطرين.

الشطر الأول في حب الجاه والشهرة:

وفيه بيان ذم الشهرة وبيان فضيلة الخُمُول[4]، وبيان ذم الجاه، وبيان معنى الجاه وحقيقته، وبيان السبب في كونه محبوباً أشد من حب المال، وبيان أن الجاه كمال وهمي وليس بكمال حقيقي، وبيان ما يحمد من حب الجاه وما يذم، وبيان السبب في حب المدح والثناء وكراهية الذم، وبيان العلاج في حب الجاه، وبيان علاج حب المدح، وبيان علاج كراهة الذم، وبيان اختلاف أحوال الناس في المدح والذم، فهي اثنا عشر فصلا منها تنشأ معاني الرياء فلا بد من تقديمها والله الموفق للصواب بلطفه ومَنِّه وكرمه.


 



[1]      الإطراء: المبالغة في المدح. (اتحاف)

[2]      أي الزلات. (اتحاف)

[3]      المدفون في باطن القلب. (اتحاف)

[4]      الخمول:خفاء القدر والذكر. (التعاريف)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178