ازدراهم واستحقرهم وهم عباد الله أمثاله أو خير منه. وهذه الآفة الأولى، و½سفه الحق¼ هو رده وهي الآفة الثانية. فكل من رأى أنه خير من أخيه واحتقر أخاه وازدراه ونظر إليه بعين الاستصغار أو رد الحق وهو يعرفه فقد تكبر فيما بينه وبين الخلق ومن أنف من أن يخضع لله تعالى ويتواضع لله بطاعته واتباع رسله فقد تكبر فيما بينه وبين الله تعالى ورسله.
اعلم أنه لا يتكبر إلا من استعظم نفسه ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال ومجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي، فالديني: هو العلم والعمل، والدنيوي: هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار، فهذه سبعة أسباب:
الأول: العلم وما أسرع الكبر إلى العلماء! ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((آفَةُ الْعِلْمِ الخُيَلاَءُ))[1] فلا يلبث العالم أن يتعزز بعزة العلم ويستشعر في نفسه جمال العلم وكماله ويستعظم نفسه ويستحقر الناس وينظر إليهم نظرة إلى البهائم ويستجهلهم ويتوقع أن يبدءوه بالسلام، فإن بدأه واحد منهم بالسلام أو رد عليه ببشر أو قام له أو أجاب له دعوة رأى ذلك صنيعة عنده ويداً عليه يلزمه شكرها، واعتقد أنه أكرمهم وفعل بهم ما لا يستحقون من مثله وأنه ينبغي أن يرقوا له[2] ويخدموه شكراً له على صنيعه بل الغالب أنهم يبرونه فلا يبرهم ويزورونه فلا يزورهم ويعودونه فلا يعودهم ويستخدم من خالطه منهم ويستسخره[3] في حوائجه، فإن قصر فيه استنكره كأنهم عبيده أو أجراءه وكأن تعليمه العلم صنيعة منه إليهم ومعروف لديهم واستحقاق حق عليهم، هذا فيما يتعلق بالدنيا، أما في أمر الآخرة فتكبره عليهم بأن يرى نفسه عند الله تعالى أعلى وأفضل منهم فيخاف عليهم أكثر مما يخاف على نفسه ويرجو لنفسه أكثر مما يرجو لهم وهذا بأن يسمى جاهلاً أولى من أن يسمى عالماً بل العلم الحقيقي هو الذي يعرف الإنسان به نفسه وربه وخطر الخاتمة وحجة الله على العلماء وعظم خطر العلم فيه، كما سيأتي في طريق معالجة الكبر بالعلم، وهذا العلم يزيد خوفاً وتواضعاً وتخشعاً ويقتضي أن يرى كل الناس خيراً منه لعظم حجة الله عليه بالعلم وتقصيره في القيام بشكر نعمة العلم ولهذا قال أبو الدرداء: من ازداد علماً ازداد وجعاً. وهو كما قال: فإن قلت: فما بال بعض الناس يزداد بالعلم كبراً وأمناً فاعلم أن لذلك سببين:
أحدهما: أن يكون اشتغاله بما يسمى علماً وليس علماً حقيقيًّا، وإنما العلم الحقيقي ما يعرف به