ووقى طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بنفسه فأكب عليه حتى أصيبت كفه، فكأنه أعجبه فعله العظيم إذ فداه بروحه حتى جرح فتفرس ذلك عمر فيه فقال: مازال يعرف في طلحة بأو منذ أصيبت أصبعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. والبأو هو العجب في اللغة إلا أنه لم ينقل فيه أنه أظهره واحتقر مسلماً، ولما كان وقت الشورى قال له ابن عباس: أين أنت من طلحة؟ قال: ذلك رجل فيه نخوة. فإذا كان لا يتخلص من العجب أمثالهم فكيف يتخلص الضعفاء إن لم يأخذوا حذرهم، وقال مطرف: لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً أحب إليّ من أبيت قائماً وأصبح معجباً.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَوْ لَمْ تُذْنِبُوْا لَخَشَيْتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ العُجْبُ العُجْبُ))[1] فجعل العجب أكبر الذنوب وكان بشر بن منصور من الذين إذا رأوا ذكر الله تعالى والدار الآخرة لمواظبته على العبادة فأطال الصلاة يوماً ورجل خلفه ينظر ففطن له بشر، فلما انصرف عن الصلاة قال له: لا يعجبنك ما رأيت مني فإن إبليس لعنه الله قد عبد الله تعالى مع الملائكة مدة طويلة ثم صار إلى ما صار إليه.
وقيل لعائشة رضي الله عنها: متى يكون الرجل مسيئًا؟ قالت: إذا ظن أنه محسن وقد قال تعالى: ﴿لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ﴾ [البقره:٢٦٤] والمن نتيجة استعظام الصدقة واستعظام العمل هو العجب فظهر بهذا أن العجب مذموم جدا.
اعلم أن آفات العجب كثيرة فإن العجب يدعو إلى الكبر لأنه أحد أسبابه، كما ذكرناه فيتولد من العجب الكبر، ومن الكبر الآفات الكثيرة التي لا تخفى هذا مع العباد، وأما مع الله تعالى فالعجب يدعو إلى نسيان الذنوب وإهمالها فبعض ذنوبه لا يذكرها ولا يتفقدها لظنه أنه مستغن عن تفقدها فينساها وما يتذكره منها فيستصغره ولا يستعظمه فلا يجتهد في تداركه وتلافيه بل يظن أنه يغفر له، وأما العبادات والأعمال فإنه يستعظمها ويتبجح[2] بها ويمن على الله بفعلها وينسى نعمة الله عليه بالتوفيق والتمكين منها، ثم إذا أعجب بها عمي عن آفاتها ومن لم يتفقد آفات الأعمال كان أكثر سعيه ضائعاً فإن الأعمال الظاهرة إذا لم تكن خالصة نقية عن الشوائب قلما تنفع وإنما يتفقد من يغلب عليه الإشفاق والخوف دون العجب، والمعجب يغتر بنفسه وبرأيه ويأمن مكر الله وعذابه ويظن أنه عند الله بمكان وأن له عند الله منة وحقاً بأعماله التي هي نعمة نعمه وعطية من عطاياه، ويخرجه العجب إلى أن يثني