عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

وفي قيام الليل وصيام النهار، ولكن قد تعوقه العوائق[1] ويمنعه الاشتغال ويغلبه التمكن من الشهوات أو تستهويه[2] الغفلة، فربما تكون مشاهدة الغير سبب زوال الغفلة، أو تندفع العوائق والأشغال في بعض المواضع فينبعث له النشاط، فقد يكون الرجل في منزله فتقطعه الأسباب عن التهجد مثل تمكنه من النوم على فراش وثير[3]، أو تمكنه من التمتع بزوجته أو المحادثة مع أهله وأقاربه أو الاشتغال بأولاده أو مطالعة حساب له مع معامليه، فإذا وقع في منزل غريب اندفعت عنه هذه الشواغل التي تفتر[4] رغبته عن الخير وحصلت له أسباب باعثة على الخير كمشاهدته إياهم وقد أقبلوا على الله وأعرضوا عن الدنيا، فإنه ينظر إليهم فينافسهم[5] ويشق عليه أن يسبقوه بطاعة الله فتتحرك داعيته للدين لا للرياء، أو ربما يفارقه النوم لاستنكاره الموضع أو سبب آخر فيغتنم زوال النوم، وفي منزله ربما يغلبه النوم وربما ينضاف إليه أنه في منزله على الدوام، والنفس لا تسمح بالتهجد دائماً وتسمح بالتهجد وقتاً قليلاً فيكون ذلك سبب هذا النشاط مع اندفاع سائر العوائق، وقد يعسر عليه الصوم في منزله ومعه أطايب[6] الأطعمة ويشق عليه الصبر عنها، فإذا أعوزته تلك الأطعمة لم يشق عليه فتنبعث داعية الدين للصوم فإن الشهوات الحاضرة عوائق ودوافع تغلب باعث الدين، فإذا سلم منها قوي الباعث. فهذا وأمثاله من الأسباب يتصور وقوعه ويكون السبب فيه مشاهدة الناس وكونه معهم والشيطان مع ذلك ربما يصد عن العمل ويقول لا تعمل فإنك تكون مرائياً إذ كنت لا تعمل في بيتك ولا تزد على صلاتك المعتادة.

وقد تكون رغبته في الزيادة لأجل رؤيتهم وخوفاً من ذمهم ونسبتهم إياه إلى الكسل، لا سيما إذا كانوا يظنون به أنه يقوم الليل، فإن نفسه لا تسمح بأن يسقط من أعينهم فيريد أن يحفظ منزلته وعند ذلك قد يقول الشيطان: صلّ فإنك مخلص ولست تصلي لأجلهم بل لله وإنما كنت لا تصلي كل ليلة لكثرة العوائق وإنما داعيتك لزوال العوائق لا لاطلاعهم، وهذا أمر مشتبه إلا على ذوي البصائر، فإذا عرف أن المحرك هو الرياء فلا ينبغي أن يزيد على ما كان يعتاده ولا ركعة واحدة، لأنه يعصي الله بطلب محمدة الناس بطاعة الله وإن كان انبعاثه لدفع العوائق وتحرك الغبطة والمنافسة بسبب عبادتهم فليوافق. وعلامة ذلك أن يعرض على نفسه أنه لو رأى هؤلاء يصلون من حيث لا يرونه بل من وراء


 



[1]      أي الموانع. (اتحاف)

[2]      تستهيمه الغفلة. (لسان العرب)

[3]      أي وطْيٍ. (اتحاف)

[4]      أي تضعف. (اتحاف)

[5]      أي فيراغبهم. (تاج العروس)

[6]      أطايب جمع أطيب وهو خلاف الخبث. (الصحاح تاج اللغة)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178