إحداها : أنه لو ظهر من هو أحسن منه وعظاً أو أغزر[1] منه علماً والناس له أشد قبولاً فرح به ولم يحسده نعم لا بأس بالغبطة وهو أن يتمنى لنفسه مثل علمه.
والأخرى: أن الأكابر إذا حضروا مجلسه لم يتغير كلامه بل بقي كما كان عليه فينظر إلى الخلق بعين واحدة.
والأخرى: أن لا يحب اتباع الناس له في الطريق والمشي خلفه في الأسواق. ولذلك علامات كثيرة يطول إحصاءها.
وقد روي عن سعيد بن أبي مروان قال: كنت جالساً إلى جنب الحسن إذ دخل علينا الحجاج من بعض أبواب المسجد ومعه الحرس[2] وهو على برذون[3] أصفر فدخل المسجد[4] على برذونه فجعل يلتفت في المسجد فلم يرى حلقة أحفل[5] من حلقة الحسن فتوجه نحوها حتى بلغ قريباً منها، ثم ثنى وَرِكَه[6] فنزل ومشى نحو الحسن، فلما رآه الحسن متوجهاً إليه تجافى له عن ناحية مجلسه قال سعيد: وتجافيت له أيضاً عن ناحية مجلسي حتى صار بيني وبين الحسن فرجة ومجلس للحجاج فجاء الحجاج حتى جلس بيني وبينه والحسن يتكلم بكلام له يتكلم به في كل يوم فما قطع الحسن كلامه.
قال سعيد فقلت في نفسي: لأبلون الحسن اليوم ولأنظرن هل يحمل الحسن جلوس الحجاج إليه أن يزيد في كلامه يتقرب إليه أو يحمل الحسن هيبة الحجاج أن ينقص من كلامه؟ فتكلم الحسن كلاماً واحداً نحواً مما كان يتكلم به في كل يوم حتى انتهى إلى آخر كلامه فلما فرغ الحسن من كلامه وهو غير مكترث به، رفع الحجاج يده فضرب بها على منكب الحسن ثم قال: صدق الشيخ وبر فعليكم بهذه المجالس وأشباهها فاتخذوها حلقاً وعادة فإنه بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ½إن مجالس الذكر رياض الجنة¼[7] ولولا ما حملناه من أمر الناس ما غلبتمونا على هذه المجالس لمعرفتنا بفضلها، قال: ثم افتر[8] الحجاج فتكلم حتى عجب الحسن ومن حضر من بلاغته، فلما فرغ طفق فقام، فجاء رجل من أهل الشام إلى مجلس الحسن حين قام الحجاج فقال: عباد الله المسلمين ألا تعجبون
[1] أي أكثر. (لسان العرب)
[2] أي الجند والأعوان. (اتحاف)
[3] البرذون: الحِصان الرومي. (اتحاف)
[4] أي ساحته. (اتحاف)
[5] أي أعظم وأكبر. (اتحاف)
[6] الورك: ما فوق الفخذ كالكتف فوق العضد. (لسان العرب)
[7] …سنن الترمذي، كتاب الدعوات ، باب ماجاء في عقد التسبيح باليد، الحديث :۳٥۲۱، ٥/٣٠٤.
[8] أي فتح فمه. (اتحاف)