ما هو ضحكة للشيطان به ثم إنه يمتن على الله بعمله، ومن اعتقد جزماً أنه فوق أحد من عباد الله فقد أحبط بجهله جميع عمله فإن الجهل أفحش المعاصي وأعظم شيء يبعد العبد عن الله، وحكمه لنفسه بأنه خير من غيره جهل محض وأمن من مكر الله ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، ولذلك روي أن رجلاً ذكر بخير للنبي صلى الله عليه وسلم فأقبل ذات يوم فقالوا: يا رسول الله هذا الذي ذكرناه لك فقال: ((إنِّي أَرَى فِيْ وَجْهِهِ سَفْعَةً[1] مِّنَ الشَّيْطَانِ))[2] فسلم ووقف على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَسْأَلُكَ بِاللهِ حَدَّثَتك نَفْسُكَ أَنْ لَيْسَ فِي الْقَومِ أَفْضَلُ مِنْكَ؟)) قال اللّهم نعم. فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنور النبوة ما استكن في قلبه سفعة في وجهه وهذه آفة لا ينفك عنها أحد من العباد إلا من عصمه الله لكن العلماء والعباد في آفة الكبر على ثلاث درجات.
الدرجة الأولى: أن يكون الكبر مستقراً في قلبه يرى نفسه خيراً من غيره إلا أنه يجتهد ويتواضع ويفعل فعل من يرى غيره خيراً من نفسه وهذا قد رسخ في قلبه شجرة الكبر ولكنه قطع أغصانها بالكلية.
الثانية: أن يظهر ذلك على أفعاله بالترفع في المجالس والتقدم على الأقران وإظهار الإنكار على من يقصر في حقه وأدنى ذلك في العالم أن يصعر خده للناس كأنه معرض عنهم. وفي العابد أن يعبس وجهه ويقطب جبينه كأنه متنزه عن الناس مستقذر لهم أو غضبان عليهم وليس يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب ولا في الوجه حتى يعبس ولا في الخد حتى يصعر ولا في الرقبة حتى تطأطأ ولا في الذيل حتى يضم إنما الورع في القلوب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التَّقْوَى هَاهُنَا)) [3] وأشار إلى صدره، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق وأتقاهم وكان أوسعهم خلقاً وأكثرهم بشراً وتبسماً وانبساطاً؛ ولذلك قال الحارث بن جزء الزبيدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعجبني من القراء كل طليق مضحاك، فأما الذي تلقاه ببشر ويلقاك بعبوس يمن عليك بعلمه فلا أكثر الله في المسلمين مثله ولو كان الله سبحانه وتعالى يرضى ذلك لما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الشعرآء:٢١٥].
وهؤلاء الذين يظهر أثر الكبر على شمائلهم فأحوالهم أخف حالاً ممن هو في الرتبة الثالثة وهو الذي يظهر الكبر على لسانه حتى يدعوه إلى الدعوى والمفاخرة والمباهاة وتزكية النفس وحكايات الأحوال والمقامات والتشمر لغلبة الغير في العلم والعمل.