الثانية: أن يكون له قصداً لثواب أيضاً ولكن قصداً ضعيفاً بحيث لو كان في الخلوة لكان لا يفعله ولا يحمله ذلك القصد على العمل ولو لم يكن قصد الثواب لكان الرياء يحمله على العمل فهذا قريب مما قبله وما فيه من شائبة قصد ثواب لا يستقل بحمله على العمل لا ينفي عنه المقت والإثم.
الثالثة: أن يكون له قصد الثواب وقصد الرياء متساويين بحيث لو كان كل واحد منهما خالياً عن الآخر لم يبعثه على العمل فلما اجتمعا انبعثت الرغبة، أو كان كل واحد منهما لو انفرد لاستقل بحمله على العمل فهذا قد أفسد مثل ما أصلح فنرجو أن يسلم رأسا برأس لا له ولا عليه، أو يكون له من الثواب مثل ما عليه من العقاب وظواهر الأخبار تدل على أنه لا يسلم وقد تكلّمنا عليه في كتاب الإخلاص .
الرابعة: أن يكون إطلاع الناس مرجحاً ومقوياً لنشاطه ولو لم يكن لكان لا يترك العبادة ولو كان قصد الرياء وحده لما أقدم عليه فالذي نظنه والعلم عند الله أنه لا يحبط أصل الثواب ولكنه ينقص منه أو يعاقب على مقدار قصد الرياء ويثاب على مقدار قصد الثواب وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((يَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى أَنَا أَغْنَى الأَغْنِيَاءِ عَنِ الشِّرْكِ))[1] فهو محمول على ما إذا تساوى القصدان أو كان قصد الرياء أرجح.
الركن الثاني: المراءى به وهو الطاعات وذلك ينقسم إلى الرياء بأصول العبادات وإلى الرياء بأوصافها.
القسم الأول: وهو الأغلظ، الرياء بالأصول وهو على ثلاث درجات:
الأولى: الرياء بأصل الإيمان وهذا أغلظ أبواب الرياء وصاحبه مخلد في النار وهو الذي يظهر كلمتي الشهادة وباطنه مشحون بالتكذيب ولكنه يرائي بظاهر الإسلام وهو الذي ذكره الله تعالى في كتابه في مواضع شتى كقوله عز وجل: ﴿إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ﴾ [المنافقون :١] أي في دلالتهم بقولهم على ضمائرهم وقال تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ (٢٠٤) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا﴾ الآية [البقره :٢٠٤، ٢٠٥] وقال تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوكُمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ عَضُّواْ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَنَامِلَ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۚ﴾ [ آل عمران : ۱۱۹] وقال تعالى :﴿يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا (١٤٢) مُّذَبۡذَبِينَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ﴾ [النساء : ١٤٢،١٤٣] والآيات فيهم كثيرة وكان النفاق يكثر في ابتداء الإسلام ممن يدخل في ظاهر الإسلام ابتداء لغرض وذلك مما يقل في زماننا ولكن يكثر نفاق من ينسل عن الدين باطناً فيجحد الجنة والنار والدار الآخرة ميلاً إلى قول الملحدة أو يعتقد على بساط الشرع والأحكام ميلاً إلى أهل الإباحة أو يعتقد
[1] …صحيح مسلم، كتاب الزهدو الرقائق، باب من اشرك في عمله غير الله، الحديث : ۲۹۸٥، ص: ۱٥۹٤ بتغير قليل .