قولك فيقول: أنا عالم بعلم أهل الكوفة، وكان عند الأعمش[1] فسئل عن مسائل، فقال لأبي حنيفة: ما تقول فيها؟ فأجابه، قال: مِن أين لك هذا؟ قال: مِن أحاديثك التي رويتُها عنك، وسَرَد له عدّة أحاديث بطرقها، فقال الأعمش: حسبك ما حدّثتك به في مائة يوم تحدّثني به في ساعة واحدة...! ما علمتُ أنّك تعمل بهذه الأحاديث، يا معشرَ الفقهاء! أنتم الأطباء، ونحن الصيادلة، وأنت أيّها الرجل! أخذتَ بكلا الطرفَين) اﻫ.
أقول: وإنّما قال: ما علمتُ... إلخ؛ لأنّه لم ير في تلك الأحاديث موضعاً لتلك الأحكام التي استنبطها منها الإمام فقال: ما علمتُ أنّك تأخذ هذه من هذه.
وقد قال الإمام الأجلّ سفيان الثوري[2] لإمامنا رضي الله تعالى
[1] هو سليمان بن مهران الأسدي بالولاء، أبو محمد، الملقب بالأعمش، تابعي مشهور، (ت١٤٨ﻫ). أصله من بلاد ٠الريّ٠، ومنشأه ووفاته في الكوفة. كان عالماً بالقرآن والحديث والفرائض، يروي نحو١٣٠٠ حديث، قال الذهبي: كان رأساً في العلم النافع والعمل الصالح، وقال السخاوي: قيل: لم ير السلاطين والملوك والأغنياء في مجلس أحقر منهم في مجلس الأعمش مع شدّة حاجته وفَقره.
(٠الأعلام٠، ٣/١٣٥).
[2] هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري (ت١٦١ﻫ)، كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى، أمير المؤمنين في الحديث، أجمع الناس على دينه وورعه وزهده وثقته، وهو أحد أئمّة المجتهدين، من آثاره: ٠الجامع الكبير٠، و٠الجامع الصغير٠ كلاهما في الحديث، وكتاب في الفرائض.
(٠الأعلام٠، ٣/١٠٤، ٠وفيات الأعيان٠، ٢/٣٢٢).