عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

مالك فلم يزل به حتى رده عليه. وكأنه كانت أخوته مع أبيه في الله تعالى فكره أن يأخذ ذلك قال ولده: فلما خرج لم أملك نفسي أن جئت إليه فقلت ويلك أي شيء قلبك هذا حجارة؟ عد أنه ليس لك عيال أما ترحمني؟ أما ترحم إخوتك؟ أما ترحم عيالنا؟ فأكثرت عليه فقال: الله يا مبارك تأكلها أنت هنيئاً مرئياً وأسأل عنها أنا. فإذن يجب على العالم أن يلزم قلبه طلب الثواب من الله في اهتداء الناس به فقط ويجب على المتعلم أن يلزم قلبه حمد الله وطلب ثوابه ونيل المنزلة عنده لا عند المعلم وعند الخلق، وربما يظن أن له أن يرائي بطاعته لينال عند المعلم رتبته فيتعلم منه وهو خطأ لأن إرادته بطاعته غير الله خسران في الحال، والعلم ربما يفيد وربما لا يفيد، فيكف يخسر في الحال عملاً نقداً على توهم علم..؟ وذلك غير جائز بل ينبغي أن يتعلم لله ويعبد الله ويخدم المعلم لله لا ليكون له في قلبه منزلة إن كان يريد أن يكون تعلمه طاعة فإن العباد أمروا أن لا يعبدوا إلا الله ولا يريدوا بطاعتهم غيره.

وكذلك من يخدم أبويه لا ينبغي أن يخدمهما لطلب المنزلة عندهما إلا من حيث إن رضا الله عنه في رضا الوالدين ولا يجوز له أن يرائي بطاعته لينال بها منزلة عند الوالدين فإن ذلك معصية في الحال وسيكشف الله عن ريائه وتسقط منزلته من قلوب الوالدين أيضاً.

وأما الزاهد المعتزل عن الناس فينبغي له أن يلزم قلبه ذكر الله والقناعة بعلمه ولا يخطر بقلبه معرفة الناس زهده واستعظامهم محله فإن ذلك يغرس الرياء في صدره حتى تتيسر عليه العبادات في خلوته به وإنما سكونه لمعرفة الناس باعتزاله واستعظامهم لمحله وهو لا يدري أنه المخفف للعمل عليه.

قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: تعلمت المعرفة من راهب يقال له سمعان، دخلت عليه في صومعته فقلت: يا سمعان! منذ كم أنت في صومعتك؟ قال: منذ سبعين سنة، قلت: فما طعامك؟ قال: يا حنيفي وما دعاك إلى هذا؟ قلت: أحببت أن أعلم، قال: في كل ليلة حمصة قلت: فما الذي يهيج من قلبك حتى تكفيك هذه الحمصة؟ قال: ترى الدير الذي بحذائك؟ قلت: نعم، قال: إنهم يأتوني في كل سنة يوماً واحداً فيزينون صومعتي ويطوفون حولها ويعظموني فكلما تثاقلت نفسي عن العبادة ذكرتها عز تلك الساعة فأنا احتمل جهد سنة لعز ساعة، فاحتمل يا حنيفي جهد ساعة لعز الأبد، فوقر[1] في قلبي المعرفة فقال: حسبك أو أزيدك؟ قلت: بلى قال: انزل عن الصومعة فنزلت فأدلى لي ركوة[2] فيها عشرون حمصة فقال لي: ادخل الدير فقد رأوا ما أدليت إليك فلما دخلت الدير اجتمع علي النصارى فقالوا: يا حنيفي ما الذي أدلى إليك الشيخ؟ قلت: من قوته قالوا فما تصنع به ونحن أحق به؟ ثم قالوا:


 



[1]      أي سكن. (تاج العروس)

[2]      أي الدلو الصغيرة. (المعجم الوسيط)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178