وخطر عاقبته وأن الكبر لا يليق إلا بالله تعالى. وأما العمل فبأن يكلف نفسه ما ثقل عليه من الاعتراف بالحق وأن يطلق اللسان بالحمد والثناء ويقر على نفسه بالعجز ويشكره على الاستفادة ويقول: ما أحسن ما فطنت له وقد كنت غافلاً عنه فجزاك الله خيراً كما نبهتني له! فالحكمة ضالة المؤمن فإذا وجدها ينبغي أن يشكر من دَلَّه عليها، فإذا واظب على ذلك مرات متوالية صار ذلك له طبعاً وسقط ثقل الحق عن قلبه وطاب له قبوله ومهما ثقل عليه الثناء على أقرانه بما فيهم ففيه كبر، فإن كان ذلك لا يثقل عليه في الخلوة ويثقل عليه في الملأ فليس فيه كبر وإنما فيه رياء، فليعالج الرياء بما ذكرناه من قطع الطمع عن الناس ويذكر القلب بأن منفعته في كماله في ذاته وعند الله لا عند الخلق، إلى غير ذلك من أدوية الرياء. وإن ثقل عليه في الخلوة والملأ جميعا ففيه الكبر والرياء جميعاً ولا ينفعه الخلاص من أحدهما ما لم يتخلص من الثاني، فليعالج كلا الداءين فإنهما جميعاً مهلكان.
الامتحان الثاني: أن يجتمع مع الأقران والأمثال في المحافل ويقدمهم على نفسه ويمشي خلفهم ويجلس في الصدور تحتهم فإن ثقل عليه ذلك فهو متكبر فليواظب عليه تكلّفاً حتى يسقط عنه ثقله فبذلك يزايله الكبر وههنا للشيطان مكيدة وهو أن يجلس في صف النعال أو يجعل بينه وبين الأقران بعض الأرذال فيظن أن ذلك تواضع وهو عين الكبر، فإن ذلك يخف على نفوس المتكبرين إذ يوهمون أنهم تركوا مكانهم بالاستحقاق والتفضل فيكون قد تكبر وتكبر بإظهار التواضع أيضاً بل ينبغي أن يقدم أقرانه ويجلس بينهم بجنبهم ولا ينحط عنهم إلى صف النعال، فذلك هو الذي يخرج خبث الكبر من الباطن.
الامتحان الثالث: أن يجيب دعوة الفقير ويمر إلى السوق في حاجة الرفقاء والأقارب فإن ثقل ذلك عليه فهو كبر فإن هذه الأفعال من مكارم الأخلاق والثواب عليها جزيل، فنفور النفس عنها ليس إلا لخبث في الباطن فليشتغل بإزالته بالمواظبة عليه مع تذكر جميع ما ذكرناه من المعارف التي تزيل داء الكبر.
الامتحان الرابع: أن يحمل حاجة نفسه وحاجة أهله ورفقائه من السوق إلى البيت، فإن أبت نفسه ذلك فهو كبر أو رياء فإن كان يثقل ذلك عليه مع خلو الطريق فهو كبر، وإن كان لا يثقل عليه إلا مع مشاهدة الناس فهو رياء، وكل ذلك من أمراض القلب وعلله المهلكة له إن لم تتدارك وقد أهمل الناس طب القلوب واشتغلوا بطب الأجساد مع أن الأجساد قد كتب عليها الموت لا محالة والقلوب لا تدرك السعادة إلا بسلامتها إذ قال تعالى: ﴿إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ﴾ [الشعراء : ٨٩] ويروى عن عبد الله بن سلام أنه حمل حزمة حطب فقيل له: يا أبا يوسف قد كان في غلمانك وبنيك ما يكفيك! قال: أجل