لها في الآخرة لتكمل لذاتها في الآخرة، فالانهماك في الذنوب وترك التقوى اتكالا على رجاء الشفاعة يضاهي انهماك المريض في شهواته اعتماداً على طبيب حاذق قريب مشفق من أب أو أخ أو غيره، وذلك جهل لأن سعي الطبيب وهمته وحذقه تنفع في إزالة بعض الأمراض لا في كلها فلا يجوز ترك الحمية مطلقاً اعتماداً على مجرد الطب بل للطبيب أثر على الجملة ولكن في الأمراض الخفيفة وعند غلبة اعتدال المزاج، فهكذا ينبغي أن تفهم عناية الشفعاء من الأنبياء والصلحاء للأقارب والأجانب فإنه كذلك قطعاً وذلك لا يزيل الخوف والحذر وكيف يزيل وخير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وقد كانوا يتمنون أن يكونوا بهائم من خوف الآخرة مع كمال تقواهم وحسن أعمالهم وصفاء قلوبهم وما سمعوه من وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بالجنة خاصة وسائر المسلمين بالشفاعة عامة ولم يتكلوا عليه ولم يفارق الخوف والخشوع قلوبهم فكيف يعجب بنفسه ويتكل على الشفاعة من ليس له مثل صحبتهم وسابقتهم!
الخامس: العجب بنسب السلاطين الظلمة وأعوانهم دون نسب الدين والعلم وهذا غاية الجهل، وعلاجه أن يتفكر في مخازيهم وما جرى لهم من الظلم على عباد الله والفساد في دين الله وأنهم الممقوتون عند الله تعالى ولو نظر إلى صورهم في النار وأنتانهم وأقذارهم لاستنكف منهم ولتبرأ من الانتساب إليهم ولأنكر على من نسبه إليهم استقذاراً واستحقاراً لهم ولو انكشف له ذلهم في القيامة وقد تعلق الخصماء بهم والملائكة آخذون بنواصيهم يجرونهم على وجوههم إلى جهنم في مظالم العباد لتبرأ إلى الله منهم ولكان انتسابه إلى الكلب والخنزير أحب إليه من الانتساب إليهم فحق أولاد الظلمة إن عصمهم الله من ظلمهم أن يشكروا الله تعال على سلامة دينهم ويستغفروا لآبائهم إن كانوا مسلمين، فأما العجب بنسبهم فجهل محض.
السادس: العجب بكثرة العدد من الأولاد والخدم والغلمان والعشيرة والأقارب والأنصار والأتباع كما قال الكفار: ﴿نَحۡنُ أَكۡثَرُ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا﴾ [سبأ :٣٥] وكما قال المؤمنون يوم حنين: لا نغلب اليوم من قلة، وعلاجه ما ذكرناه في الكبر وهو أن يتفكر في ضعفه وضعفهم وأن كلهم عبيد عجزة لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ثم كيف يعجب بهم وأنهم سيفترقون عنه إذا مات فيدفن في قبره ذليلاً مهيناً وحده لا يرافقه أهل ولا ولد ولا قريب ولا حميم ولا عشير فيسلمونه إلى البلى والحيات والعقارب والديدان ولا يغنون عنه شيئاً، وفي أحوج أوقاته إليهم، وكذلك يهربون منه يوم القيامة: ﴿يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ﴾ [عبس:٣٤-٣٦] الآية فأيّ خير فيمن يفارقك في أشد أحوالك ويهرب منك وكيف تعجب به ولا ينفعك في القبر والقيامة