وعلى الصراط إلا عملك وفضل الله تعالى فكيف تتكل على من لا ينفعك، وتنسى نِعَم مَن يملك نفعك وضرّك وموتك وحياتك.
السابع: العجب بالمال كما قال تعالى إخباراً عن صاحب الجنتين إذ قال: ﴿أَنَا۠ أَكۡثَرُ مِنكَ مَالٗا وَأَعَزُّ نَفَرٗا﴾ [الكهف:٣٤] ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً غنياً جلس بجنبه فقير فانقبض عنه وجمع ثيابه فقال عليه السلام: ((أَخَشِيْتَ أَنْ يَعْدُوَ إِلَيْكَ فَقْرُهُ))[1] وذلك للعجب بالغنى.
وعلاجه أن يتفكر في آفات المال وكثرة حقوقه وعظم غوائله وينظر إلى فضيلة الفقراء وسبقهم إلى الجنة في القيامة وإلى أن المال غاد ورائح ولا أصل له، وإلى أن في اليهود من يزيد عليه في المال وإلى قوله عليه الصلاة والسلام: ((بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي حُلَّةٍ لَهُ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ إِذْ أَمَرَ اللهُ الأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ))[2] أشار به إلى عقوبة إعجابه بماله ونفسه وقال أبو ذر: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد فقال لي: ((يَا أَبَا ذَرٍّ اِرْفَعْ رَأْسَكَ)) فرفعت رأسي فإذا رجل عليه ثياب جياد ثم قال: ((اِرْفَعْ رَأْسَكَ)) فرفعت رأسي فإذا رجل عليه ثياب خلقة فقال لي: ((يَا أَبَا ذَرٍّ هَذَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنْ قِرَابِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا))[3] وجميع ما ذكرناه في كتاب الزهد وكتاب ذم الدنيا وكتاب ذم المال يبين حقارة الأغنياء وشرف الفقراء عند الله تعالى، فكيف يتصور من المؤمن أن يعجب بثروته؟ بل لا يخلو المؤمن عن خوف من تقصيره في القيام بحقوق المال في أخذه من حله ووضعه في حقه ومن لا يفعل ذلك فمصيره إلى الخزي والبوار فكيف يعجب بماله.؟
الثامن: العجب بالرأي الخطأ، قال الله تعالى: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ﴾ [فاطر:٨] وقال تعالى: ﴿وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا﴾ [الكهف:١٠٤] وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك يغلب على آخر هذه الأمة وبذلك هلكت الأمم السالفة إذ افترقت فرقاً فكل معجب برأيه وكل حزب بما لديهم فرحون. وجميع أهل البدع والضلال إنما أصروا عليها لعجبهم بآرائهم والعجب بالبدعة هو استحسان ما يسوق إليه الهوى والشهوة مع ظن كونه حقاً.
وعلاج هذا العجب أشد من علاج غيره لأن صاحب الرأي الخطأ جاهل بخطئه ولو عرفه لتركه، ولا يعالج الداء الذي لا يعرف، والجهل داء لا يعرف فتعسر مداواته جداً؛ لأن العارف يقدر على أن يبين للجاهل جهله ويزيله عنه إلا إذا كان معجباً برأيه وجهله فإنه لا يصغى[4] إلى العارف ويتهمه، فقد سلط الله عليه بلية تهلكه وهو يظنها نعمة فكيف يمكن علاجه وكيف يطلب الهرب مما