عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

جاءهم رجل عليه طمران خَلقان فصلى ركعتين أوجز فيهما ثم بسط يديه فقال: يا رب أقسمت عليك إلا أمطرت علينا الساعة فلم يرد يديه ولم يقطع دعاءه حتى تغشت السماء بالغمام وأمطروا حتى صاح أهل المدينة من مخافة الغرق، فقال: يا رب! إن كنت تعلم أنهم قد اكتفوا فارفع عنهم، فسكن، وتبع الرجل صاحبه الذي استسقى حتى عرف منزله ثم بكر عليه فخرج إليه فقال: إني أتيتك في حاجة فقال: ما هي؟ قال: تخصني بدعوة قال: سبحان الله! أنت أنت[1] وتسألني أن أخصك بدعوة! ثم قال: ما الذي بلغك ما رأيت؟ قال: أطعت الله فيما أمرني ونهاني فسألت الله فأعطاني.

وقال ابن مسعود :كونوا ينابيع العلم، مصابيح الهدى، أحلاس البيوت، سرج الليل ،جرد القلوب[2]، خلقان الثياب، تعرفون في أهل السماء وتخفون في أهل الأرض. وقال: أبو أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَقُوْلُ اللهُ تَعَالى: إِنَّ أَغْبَطَ أَوْلِيَائِيْ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَفِيْفُ الْحَاذِ[3] ذُوْ حَظٍ مِنْ صَلاَةٍ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَأَطَاعَهُ فِيْ السِّرِّ وَكَانَ غَامِضًا فِي النَّاسِ لاَ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ ثُمَّ صَبَرَ عَلى ذَلِكَ)) قال :ثم نقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال: ((عُجِّلَتْ مَنِيَّتُهُ وَقَلَّ تُرَاثُهُ وَقَلَّتْ بَوَاكِيْهِ[4]))[5]وقال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: أحب عباد الله إلى الله الغرباء، قيل: ومن الغرباء؟ قال: الفارون بدينهم يجتمعون يوم القيامة إلى المسيح عليه السلام.

وقال الفضيل بن عياض : بلغني أن الله تعالى يقول في بعض ما يمن به على عبده: أَلَم أنعم عليك؟ أَلَم أسترك؟ أَلَم أخمل ذكرك؟. وكان الخليل بن أحمد يقول: اللّهم اجعلني عندك من أرفع خلقك واجعلني عند نفسي من أوضع خلقك واجعلني عند الناس من أوسط خلقك. وقال الثوري: وجدت قلبي يصلح بمكة والمدينة مع قوم غرباء أصحاب قوت وعناء، وقال إبراهيم بن أدهم: ما قرت عيني يوماً في الدنيا قط إلا مرة بت ليلة في بعض مساجد قرى الشام وكان بي البطن فجرني المؤذن برجلي حتى أخرجني من المسجد. وقال الفضيل: إن قدرت على أن لا تعرف فافعل، وما عليك أن لا تعرف؟ وما عليك أن لا يثنى عليك؟ وما عليك أن تكون مذموماً عند الناس إذا كنت محموداً عند الله تعالى؟.


 



[1]      يشار به إلى نعوت من المدح. [علمية]

[2]      أي مجردين قلوبكم عن غير الله تعالى فلا يخطر فيها ما يشغل عنه تعالى.(اتحاف)

[3]      أغبط أوليائي: أي أحسن هم حالا وأفضلهم مآلاً، خَفِيْفُ الْحَاذِ: أي خفيف الحال الذي يكون قليل المال وخفيف الظهر من العيال، غَامِضًا فِي النَّاسِ: أي خاملاً خافياً غير مشهور في الناس. (مرقاة المفاتيح، كتاب الرقاق)

[4]      عجلت منيته: أي سلت روحه بالتعجل لقلة تعلقه بالدنيا وغلبة شغفه بالآخرة وقل تراثه وقلت بواكيه: أي لقلة عياله وهوانه على الناس وعدم احتفالهم به. (فيض القدير)

[5]      سنن الترمذي، كتاب الزهد، باب ماجاء في الكفاف والصبرعليه ، الحديث :۲۳٥٤،  ٤/۱٥٥.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178