الحمد الله الذي من على المسلمين بإنزال القرآن الكريم، وتكفل بحفظه في الصدور والسطور إلى يوم الدين، وجعل من تتمة حفظه حفظ سنة سيد المرسلين. والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد الذي أوكل الله إليه تبيان ما أراده من التنزيل الحكيم بقوله تعالى: ﴿ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ ﴾[1] فقام صلی الله عليه وسلم مبينا له بأقواله وأفعاله وتقريراته بأسلوب واضح مبين. والرضى عن الصحابة الذين تلقوا السنة النبوية عن النبي الكريم فوعوها، ونقلوها للمسلمين كما سمعوها خالصة من شوائب التحريف والتبديل. والرحمة والمغفرة للسلف الصالح الذين تناقلوا السنة المطهرة جيلا عن جيل، ووضعوا لسلامة نقلها وروايتها قواعد وضوابط دقيقة لتخليصها من تحريف المبطلين. والجزاء الخير لمن خلف السلف من علماء المسلمين الذين تلقوا قواعد رواية السنة وضوابطها عن السلف فهذبوها ورتبوها وجمعوها في مصنفات مستقلة سميت فيما بعد بـ"علم مصطلح الحديث"[2].
أما بعد: فعندما كلفت منذ سنوات بتدريس علم "مصطلح الحديث" في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وكان المقرر تدريس كتاب "علوم الحديث" لابن الصلاح[3] ثم قرر بدله مختصره كتاب "التقريب" للنووي. وجدت مع الطلبة بعض الصعوبات في دراسة هذين الكتابين على جلالتهما وغزارة فوائدهما دراسة نظامية، من هذه الصعوبات التطويل في بعض الأبحاث، لا سيما في كتاب ابن الصلاح. ومنها الاختصار في البعض الآخر، لا سيما في كتاب النووي[4] ومنها صعوبة العبارة، ومنها عدم تكامل بعض الأبحاث[5] وذلك
[1] من سورة النحل, الآية:٤٤.
[2] يطلق على هذا العلم أيضا، "علم الحديث دراية" و"علوم الحديث" و"أصول الحديث".
[3] كبحث معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه، فقد استغرق/٤٦/صفحة.
[4] كبحث "الضعيف" مثلاً إن لم يتجاوز تسع عشرة كلمة.
[5] مثال ذلك اقتصار النووي في بحث المقلوب على ما يلي: "المقلوب" هو نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع ليرغب فيه, وقلب أهل بغداد على البخاري مائة حديث امتحانا فردها على وجوهها فأذعنوا بفضله.