عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

قال له: ((اطْعَمْ)) فكأن رجلاً من قريش اشمأز[1] منه وتكره فما مات ذلك الرجل حتى كانت به زمانة مثلها. وقال صلى الله عليه وسلم : ((خَيَّرَنِيْ رَبِّيْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَنْ أَكُوْنَ عَبْدًا رَسُوْلاً أَوْ مَلَكًا نَبِيًّا فَلَمْ أَدْرِ أَيَّهُمَا أَخْتَارُ وَكَانَ صَفِيٌّ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ جِبْرِيْلَ فَرَفَعْتُ رَأْسِيْ إِلَيْهِ فَقَالَ: تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ فَقُلْتُ: عَبْدًا رَسُوْلاً))[2]. وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام إنما أقبل صلاة من تواضع لعظمتي ولم يتعاظم على خلقي، وألزم قلبه خوفي، وقطع نهاره بذكري، وكف نفسه عن الشهوات من أجلي.

وقال صلى الله عليه وسلم: ((الكَرَمُ التَّقْوَى وَالشَّرْفُ التَّوَاضُعُ وَالْيَقِيْنُ الْغِنَى))[3] وقال المسيح عليه السلام: طوبى للمتواضعين في الدنيا هم أصحاب المنابر يوم القيامة، طوبى للمصلحين بين الناس في الدنيا هم الذين يرثون الفردوس يوم القيامة، طوبى للمطهرة قلوبهم في الدنيا هم الذين ينظرون إلى الله تعالى يوم القيامة.

وقال بعضهم بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا هَدَى اللهُ عَبْداً لِلإِسْلاَمِ وَحَسَّنَ صُوْرَتَهُ وَجَعَلَهُ فِيْ مَوْضِعٍ غَيْرِ شَائِنٍ[4] لَهُ وَرَزَقَهُ مَعَ ذَلِكَ تَوَاضُعًا فَذَلكِ مِنْ صَفْوَةِ اللهِ)) [5] وقال صلى الله عليه وسلم: ((أَرْبَعٌ لاَ يُعْطِيْهُمُ اللهُ إِلاَّ مَنْ أَحَبَّ: الصَّمْتُ وَهُوَ أَوَّلُ الْعِبَادَةِ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ، وَالتَّوَاضُعُ، وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا))[6] وقال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا تَوَاضَعَ الْعَبْدُ رَفَعَهُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ))[7] وقال صلى الله عليه وسلم: ((التَّوَاضُعُ لاَ يَزِيْدُ الْعَبْدَ إِلاَّ رِفْعَةً فَتَوَاضَعُوْا يَرْحَمُكُمُ اللهُ))[8] ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطعم فجاء رجل أسود به جدري قد تقشر فجعل لا يجلس إلى أحد إلا قام من جنبه، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه وقال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّهُ لَيُعْجِبُنِيْ أَنْ يُحْمِلَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِيْ يَدِهِ يَكُوْنُ مِهْنَةً[9] لأَهْلِهِ يَدْفَعُ بِهِ الْكِبْرَ عَنْ نَفْسِهِ))[10].


 



[1]      أي نفور النفس من الشيء تكرهه. (لسان العرب)

[2]      المعجم الكبير، الحديث : ۱۳۳۰۹،  ۱۲/۳٤۸.

[3]      موسوعة الامام ابن أبي الدنيا، كتاب اليقين، الحديث :۲۲،  ١/٣٠.

[4]      شائن: من الشَّيْن وهو العيب أي لا يكون في نسبه دخلة. (اتحاف)

[5]      موسوعة الامام ابن أبي الدنيا، كتاب التواضع والخمول ، الحديث : ۱۲۱،  ٣/٥٦٠.

[6]      موسوعة الامام ابن أبي الدنيا، كتاب التواضع والخمول ، الحديث :۱۲۷،  ٣/٥٦١.

[7]       كنز العمال ، كتاب الاخلاق، الباب الاول، في الاخلاق والافعال المحمودة ، الحديث: ٥۷۱۷،  ٣٤٩.

[8]      كنز العمال، كتاب الاخلاق ، الباب الاوّل  في الاخلاق والافعال المحمودة ، الحديث: ٥۷۱٦،  ٣/٤٩.

[9]      أي خدمة. (مرقاة)

[10]    موسوعة الامام ابن أبي الدنيا، كتاب التواضع والخمول، الحديث :۹٦،  ٣/٥٥٦.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178