قوة. ودخل ابن السماك على هارون فقال: يا أمير المؤمنين إن تواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك، فقال: ما أحسن ما قلت، فقال: يا أمير المؤمنين إن امرأً آتاه الله جمالاً في خلقته وموضعاً في حسبه وبسط له في ذات يده فعفّ في جماله وواسى من ماله وتواضع في حسبه كتب في ديوان الله من خالص أولياء الله، فدعا هارون بدواة وقرطاس وكتبه بيده. وكان سليمان بن داود عليهما السلام إذا أصبح تصفح وجوه الأغنياء والأشراف حتى يجيء إلى المساكين فيقعد معهم ويقول: مسكين مع مساكين. وقال بعضهم: كما تكره أن يراك الأغنياء في الثياب الدون[1] فكذلك فاكره أن يراك الفقراء في الثياب المرتفعة. روي أنه خرج يونس وأيوب والحسن يتذاكرون التواضع فقال لهم الحسن: أتدرون ما التواضع؟ التواضع أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلماً إلا رأيت له عليك فضلاً. وقال مجاهد: إن الله تعالى لما أغرق قوم نوح عليه السلام شمخت الجبال وتطاولت[2] وتواضع الجودي[3] فرفعه الله فوق الجبال وجعل قرار السفينة عليه. وقال أبو سليمان: إن الله عز وجل اطلع على قلوب الآدميين فلم يجد قلباً أشد تواضعاً من قلب موسى عليه السلام فخصه من بينهم بالكلام.
وقال يونس بن عبيد وقد انصرف من عرفات: لم أشك في الرحمة لولا أني كنت معهم إني أخشى أنهم حرموا بسببي. ويقال: أرفع ما يكون المؤمن عند الله أوضع ما يكون عند نفسه، وأوضع ما يكون عند الله أرفع ما يكون عند نفسه. وقال زياد النمري: الزاهد بغير تواضع كالشجرة التي لا تثمر.
وقال مالك بن دينار: لو أن منادياً ينادي بباب المسجد ليخرج شركم رحلاً والله ما كان أحد يسبقني إلى الباب إلا رجلاً بفضل قوة أو سعي. قال: فلما بلغ ابن المبارك قوله قال: بهذا صار مالك مالكاً وقال الفضيل: من أحب الرياسة لم يفلح أبداً.
وقال موسى بن القاسم: كانت عندنا زلزلة وريح حمراء فذهبت إلى محمد بن مقاتل فقلت: يا أبا عبد الله أنت إمامنا فادع الله عز وجل لنا، فبكى ثم قال: ليتني لم أكن سبب هلاككم، قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: إن الله عز وجل رفع عنكم بدعاء محمد بن مقاتل. وجاء رجل إلى الشبلي رحمه الله فقال له: ما أنت؟ وكان هذا دأبه وعادته فقال: أنا النقطة التي تحت الباء، فقال له الشبلي: أباد الله شاهدك[4] أو تجعل لنفسك موضعاً وقال الشبلي في بعض كلامه: ذلي عطل ذل