عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((مَالِيْ لاَ أَرَى عَلَيْكُمْ حَلاَوَةَ الْعِبَادَةِ)) قالوا وما حلاوة العبادة؟ قال: ((التَوَاضُعُ))[1] وقال صلى الله عليه وسلم : ((إِذَا رَأَيْتُمُ الْمُتَوَاضِعِيْنَ مِنْ أُمَّتِيْ فَتَوَاضَعُوْا لَهُمْ وَإِذَا رَأَيْتُمُ الْمُتَكَبِّرِيْنَ فَتَكَبَّرُوْا عَلَيْهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ مَذَلَّةٌ لَهُمْ وَصَغَارٌ))[2].

الآثار: قال عمر رضي الله عنه: إن العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمته وقال: انتعش[3] رفعك الله وإذا تكبر وعدا[4] طوره رهصه الله في الأرض[5] وقال: اخسأ خسأك الله فهو في نفسه كبير وفي أعين الناس حقير حتى إنه لأحقر عندهم من الخنزير. وقال جرير بن عبد الله: انتهيت مرة إلى شجرة تحتها رجل نائم قد استظل بنطع[6] له وقد جاوزت الشمس النطع فسويته عليه ثم إن الرجل استيقظ فإذا هو سلمان الفارسي، فذكرت له ما صنعت فقال لي: يا جرير! تواضع لله في الدنيا فإنه من تواضع لله في الدنيا رفعه الله يوم القيامة، يا جرير! أتدري ما ظلمة النار يوم القيامة؟ قلت: لا، قال: إنه ظلم الناس بعضهم في الدنيا. وقالت عائشة رضي الله عنها: إنكم لتغفلون عن أفضل العبادات التواضع، وقال يوسف بن أسباط: يجزي قليل الورع من كثير العمل ويجزي قليل التواضع من كثير الاجتهاد، وقال الفضيل: وقد سئل عن التواضع ما هو؟ فقال: أن تخضع للحق وتنقاد له ولو سمعته من صبيّ قبلته ولو سمعته من أجهل الناس قبلته.

وقال ابن المبارك: رأس التواضع أن تضع نفسك عند من دونك في نعمة الدنيا حتى تعلمه أنه ليس لك بدنياك عليه فضل، وأن ترفع نفسك عمن هو فوقك في الدنيا حتى تعلمه أنه ليس له بدنياه عليك فضل. وقال قتادة من أعطي مالاً أو جمالاً أو ثياباً أو علماً ثم لم يتواضع فيه كان عليه وبالاً يوم القيامة. وقيل: أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام: إذا أنعمت عليك بنعمة فاستقبلها بالاستكانة أتممها عليك. وقال كعب: ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فشكرها لله وتواضع بها لله إلا أعطاه الله نفعها في الدنيا ورفع بها درجة في الآخرة، وما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فلم يشكرها ولم يتواضع بها لله إلا منعه الله نفعها في الدنيا وفتح له طبقاً من النار يعذبه إن شاء الله أو يتجاوز عنه. وقيل لعبد الملك بن مروان: أيّ الرجال أفضل؟ قال: من تواضع عن قدرة وزهد عن رغبة وترك النصرة عن


 



[1]      الزواجر عن اقتراف الكبائر، الكبيرة الرابعة : الكبر والعجب والخيلاء،    ۱/۱٦۳.

[2]      الزواجر عن اقتراف الكبائر، الكبيرة الرابعة: الكبر والعجب والخيلاء،  ۱/۱٦۳.

[3]      أي ارتفع. (اتحاف)

[4]      أي تجاوز. (اتحاف)

[5]      أي دفعه إليها. (اتحاف)

[6]      وهو المتخذ من الأديم معروف، وفيه أربع لغات فتح النون وكسرها ومع كل واحد فتح الطاء وسكونها والجمع أنطاع و نطوع. (اتحاف)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178