عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

وكذلك قول من يقول: لو ختم بالإخلاص صح نظراً إلى الآخر فهو أيضاً ضعيف لأن الرياء يقدح في النية وأولى الأوقات بمراعاة أحكام النية حال الافتتاح.

فالذي يستقيم على قياس الفقه هو أن يقال: إن كان باعثه مجرد الرياء في ابتداء العقد دون طلب الثواب وامتثال الأمر لم ينعقد افتتاحه ولم يصح ما بعده وذلك فيمن إذا خلا بنفسه لم يصل ولما رأى الناس تحرم بالصلاة وكان بحيث لو كان ثوبه نجساً أيضاً كان يصلي لأجل الناس فهذه صلاة لا نية فيها إذ النية عبارة عن إجابة باعث الدين وههنا لا باعث ولا إجابة.

فأما إذا كان بحيث لولا الناس أيضاً لكان يصلي إلا أنه ظهر له الرغبة في المحمدة أيضاً فاجتمع الباعثان فهذا إما أن يكون في صدقة وقراءة وما ليس فيه تحليل وتحريم أو في عقد صلاة وحج فإن كان في صدقة فقد عصى بإجابة باعث الرياء وأطاع بإجابة باعث الثواب: ﴿فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ (٧) وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ[الزلزلة : ٧،٨] فله ثواب بقدر قصده الصحيح وعقاب بقدر قصده الفاسد ولا يحبط أحدهما الآخر.

وإن كان في صلاة تقبل الفساد بتطرق خلل إلى النية فلا يخلو إما أن تكون فرضاً أو نفلاً فإن كانت نفلاً فحكمها أيضاً حكم الصدقة فقد عصى من وجه وأطاع من وجه إذ اجتمع في قلبه الباعثان ولا يمكن أن يقال: صلاته فاسدة والاقتداء به باطل حتى إن من صلى التراويح وتبين من قرائن حاله أن قصده الرياء بإظهار حسن القراءة ولولا اجتماع الناس خلفه وخلا في بيت وحده لما صلى، لا يصح الاقتداء به فإن المصير إلى هذا بعيد جداً بل يظن بالمسلم أنه يقصد الثواب أيضاً بتطوعه فتصح باعتبار ذلك القصد صلاته ويصح الاقتداء به وإن اقترن به قصد آخر وهو به عاص.

فأما إذا كان في فرض واجتمع الباعثان وكان كل واحد لا يستقل وإنما يحصل الانبعاث بمجموعهما فهذا لا يسقط الواجب عنه لأن الإيجاب لم ينتهض باعثاً في حقه بمجرده واستقلاله وإن كان كل باعث مستقلاً حتى لو لم يكن باعث الرياء لأدى الفرائض، ولو لم يكن باعث الفرض لأنشأ صلاة تطوعاً لأجل الرياء فهذا محل النظر. وهو محتمل جداً فيحتمل أن يقال: إن الواجب صلاة خالصة لوجه الله ولم يؤد الواجب الخالص ويحتمل أن يقال: الواجب امتثال الأمر بباعث مستقل بنفسه وقد وجد فاقتران غيره به لا يمنع سقوط الفرض عنه كما لو صلى في دار مغصوبة فإنه وإن كان عاصياً بإيقاع الصلاة في الدار المغصوبة فإنه مطيع بأصل الصلاة ومسقط للفرض عن نفسه وتعارض الاحتمال في تعارض البواعث في أصل الصلاة.


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178