عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

الحمد باللسان- فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَاتَلَ لِتَكُوْنَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ)) [1] وقال ابن مسعود: إذا التقى الصفان نزلت الملائكة فكتبوا الناس على مراتبهم فلان يقاتل للذكر، وفلان يقاتل للملك، والقتال للملك إشارة إلى الطمع في الدنيا. وقال عمر رضي الله عنه: يقولون فلان شهيد ولعله يكون قد ملأ دفتي راحلته ورِقاً. وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ غَزَا لاَ يَبْغِيْ إِلاَّ عِقَالاً فَلَهُ مَا نَوَى))[2] فهذا إشارة إلى الطمع وقد لا يشتهي الحمد ولا يطمع فيه ولكن يحذر من ألم الذم كالبخيل بين الأسخياء وهم يتصدقون بالمال الكثير فإنه يتصدق بالقليل كي لا يبخل وهو ليس يطمع في الحمد وقد سبقه غيره، وكالجَبَان[3] بين الشجعان لا يفر من الزَّحْفِ[4] خوفاً من الذم وهو لا يطمع في الحمد وقد هجم غيره على صف القتال، ولكن إذا أيس من الحمد كره الذم، وكالرجل بين قوم يصلون جميع الليل فيصلي ركعات معدودة حتى لا يذم بالكسل وهو لا يطمع في الحمد وقد يقدر الإنسان على الصبر عن لذة الحمد ولا يقدر على الصبر على ألم الذم، ولذلك قد يترك السؤال عن علم هو محتاج إليه خيفة من أن يذم بالجهل ويفتي بغير علم ويدعي العلم بالحديث وهو به جاهل كل ذلك حذراً من الذم، فهذه الأمور الثلاثة هي التي تحرك المرائي إلى الرياء وعلاجه ما ذكرناه في الشطر الأول من الكتاب على الجملة.

ولكنا نذكر الآن ما يخص الرياء، وليس يخفى أن الإنسان إنما يقصد الشيء ويرغب فيه لظنه أنه خير له ونافع ولذيذ إما في الحال وإما في المآل، فإن علم أنه لذيذ في الحال ولكنه ضار في المآل سهل عليه قطع الرغبة عنه كمن يعلم أن العسل لذيذ ولكن إذا بان له أن فيه سماً أعرض عنه، فكذلك طريق قطع هذه الرغبة أن يعلم ما فيه من المضرة.

ومهما عرف العبد مضرة الرياء وما يفوته من صلاح قلبه وما يحرم عنه في الحال من التوفيق وفي الآخرة من المنزلة عند الله وما يتعرض له من العقاب العظيم، والمقت الشديد، والخزي الظاهر حيث ينادى على رؤوس الخلائق: يا فاجر يا غادر يا مرائي أما استحييت إذا اشتريت بطاعة الله عرض الدنيا، وراقبت قلوب العباد واستهزأت بطاعة الله، وتحببت إلى العباد بالتبغض إلى الله، وتزينت لهم بالشين عند الله، وتقربت إليهم بالبعد من الله، وتحمدت إليهم بالتذمم عند الله وطلبت رضاهم بالتعرض لسخط الله أما كان أحد أهون عليك من الله! فمهما تفكر العبد في هذا الخزي وقابل ما يحصل له من


 



[1]      صحيح مسلم ، كتاب الامارة، باب من قاتل لتكون كلمة الله ...الخ  ، الحديث :۱۹۰٤، ص ۱۰٥٥.

[2]      سنن النسائی ، كتاب الجهاد ، باب من غزافي سبيل الله…الخ، الحديث :۳۱۳٥، ص ٥۱۰.

[3]      أي ضعيف القلب. (شرح الزرقاني)

[4]      أي الجيش والقتال. (تاج العروس وغيره)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178