ذمي شَين[1] فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كَذَبْتَ، ذَاكَ اللهُ الَّذِيْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ))[2] إذ لا زين إلا في مدحه ولا شين إلا في ذمه، فأيّ خير لك في مدح الناس وأنت عند الله مذموم ومن أهل النار؟ وأيّ شر لك من ذم الناس وأنت عند الله محمود في زمرة المقربين؟.
فمن أحضر في قلبه الآخرة ونعيمها المؤبد والمنازل الرفيعة عند الله استحقر ما يتعلق بالخلق أيام الحياة مع ما فيه من الكدورات والمنغصات، واجتمع همه وانصرف إلى الله قلبه، وتخلص من مذلة الرياء ومقاساة قلوب الخلق وانعطف من إخلاصه أنوار على قلبه ينشرح بها صدره وينفتح بها له من لطائف المكاشفات ما يزيد به أنسه بالله ووحشته من الخلق واستحقاره للدنيا واستعظامه للآخرة، وسقط محل الخلق من قلبه وانحل عنه داعية الرياء، وتذلل له منهج الإخلاص، فهذا وما قدمنا في الشطر الأول هي الأدوية العلمية القالعة مغارس الرياء.
وأما الدواء العملي فهو أن يعود نفسه إخفاء العبادات وإغلاق الأبواب دونها كما تغلق الأبواب دون الفواحش حتى يقنع قلبه بعلم الله و اطلاعه على عباداته ولا تنازعنه النفس إلى طلب علم غير الله به.
وقد روي أن بعض أصحاب أبي حفص الحداد ذم الدنيا وأهلها فقال: أظهرت ما كان سبيلك أن تخفيه لا تجالسنا بعد هذا. فلم يرخص في إظهار هذا القدر لأن في ضمن ذم الدنيا دعوى الزهد فيها فلا دواء للرياء مثل الإخفاء وذلك يشق في بداية المجاهدة، وإذا صبر عليه مدة بالتكلف سقط عنه ثقله وهان عليه ذلك بتواصل ألطاف الله وما يمد به عباده من حسن التوفيق والتأييد والتسديد، ولكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فمن العبد "المجاهدة" ومن الله "الهداية" ومن العبد "قرع الباب" ومن الله "فتح الباب" والله لا يضيع أجر المحسنين وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً.
المقام الثاني: في دفع العارض منه في أثناء العبادة وذلك لا بد من تعلمه أيضاً، فإن من جاهد نفسه وقلع مغارس الرياء من قلبه بالقناعة وقطع الطمع وإسقاط نفسه من أعين المخلوقين واستحقار مدح المخلوقين وذمهم فالشيطان لا يتركه في أثناء العبادات، بل يعارضه بخطرات الرياء ولا تنقطع عنه نزعاته وهوى النفس وميلها لا ينمحي بالكلية فلا بد وأن يتشمر لدفع ما يعرض من خاطر الرياء. وخواطر الرياء ثلاثة: قد تخطر دفعة واحدة كالخاطر الواحد وقد تترادف على التدريج.
فالأول: العلم باطلاع الخلق ورجاء اطلاعهم ثم يتلوه هيجان الرغبة من النفس في حمدهم وحصول المنزلة عندهم ثم يتلوه هيجان الرغبة في قبول النفس له والركون إليه وعقد الضمير على