فَصَمتَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَلَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شَيْئاً! فَكُنْتُ عَلَيْهِ أوْجَدَ[1] مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأنْكَحْتُهَا إيَّاهُ. فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِيْنَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئاً؟ فقلتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أنْ أرْجِعَ إِلَيْك فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلاَّ أنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَهَا، فَلَمْ أكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ تَرَكَهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لَقَبِلْتُهَا.[2] رواه البخاري.
"تَأَيَّمَتْ" أيْ: صَارَتْ بِلاَ زَوْجٍ، وَكَانَ زَوْجُهَا تُوُفِّيَ رضي الله عنه. "وَجَدْتَ": غَضِبْتَ.
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كُنَّ أزْوَاجُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ، فَأقْبَلَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها تَمْشِي، مَا تُخْطِئُ مِشيتُها[3] مِنْ مشْيَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم شَيْئاً، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا، وقال: مَرْحَباً بابْنَتِي، ثُمَّ أجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكتْ بُكَاءً شَديداً، فَلَمَّا رَأى جَزَعَهَا، سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ، فقلتُ لَهَا: خَصَّكِ
[1] أي أشد غضبا وهو من الموجدة، يقال: وجد عليه إذا غضب وإنما قال عمر ذلك؛ لأنّ لكل منهما كان للآخر من مزيد المحبة فلذلك كان غضبه من أبي بكر أشد من غضبه من عثمان. (عمدة القاري)
[2] إفادات: الرخصة فى أن يعرض الرجل ابنته على الرجل الصالح رغبة فيه، ولا نقيصة عليه فى ذلك. وفيه: أنّ من عرض عليه ما فيه الرغبة فله النظر والاختيار، وعليه أن يخبر بعد ذلك بما عنده؛ لئلا يمنعها من غيره. وفيه: الرخصة أن يجد الرجل على صديقه فى الشىء يسأله، فلا يجيبه إليه ولا يعتذر بما يعذره به؛ لأن النفوس جبلت على ذلك، لاسيما إذا عرض عليه ما فيه الغبطة له. (ابن بطال) وفيه أنه يحرم خطبة من ذكرها النبي على من علم به وكتم السر والمبالغة في إخفائه، وعدم التكلم فيما قد يخشى منه أن يجرّ إلى شيء منه، وأن من ذكرها ثم أعرض عنها لا يحرم التزوج بها إذ ليست من أزواجه. (دليل الفالحين)
[3] بكسر الميم، لأن المراد هيئتها من مشية رسول الله، فما للنفي والمعنى مشيتها كمشية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان هذا قرب مرض موته. (مرقاة المفاتيح)