وعن أَبي وائلٍ شقيقِ بن سَلَمَةَ، قَالَ: كَانَ ابنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يُذَكِّرُنَا في كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمانِ، لَوَدِدْتُ أنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ: أمَا إنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أنَّي أكْرَهُ أنْ أُمِلَّكُمْ، وَإنِّي أتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ، كَمَا كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ[1] عَلَيْنَا[2]. متفقٌ عَلَيْهِ.[3]
"يَتَخَوَّلُنَا": يَتَعَهَّدُنَا.
وعن أَبي اليقظان عمار بن ياسر رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ[4] وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقههِ[5] فأطِيلُوا الصَّلاَةَ وَأقْصِرُوا
[1] السآمة بالمد الملل، وقوله: أملكم، بضم الهمزة أى أوقعكم فى الملل. (نووي)
[2] إذ لا تأثير للموعظة عند الملالة. (مرقاة المفاتيح)
[3] إفادات: الإقتصاد في الوعظ والإرشاد؛ لأنّ من طبع النفوس الملل مما يداوم عليه وإن كان محبوباً لها، استحباب أوقات النشاط للتعليم والموعظة. (نزهة المتقين) فيه ما كان عليه الصحابة من الاقتداء بالنبى (صلى الله عليه وسلم) والمحافظة على استعمال سُننه على حسب معاينتهم لها منه، وتجنب مخالفته لعلمهم بما فى موافقته من عظيم الأجر، وما فى مخالفته من شديد الوعيد والزجر. (ابن بطال) يستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال، وإن كانت المواظبة مطلوبة لكنها على قسمين إما كل يوم مع عدم التكلف وإما يوما بعد يوم فيكون يوم الترك لأجل الراحة ليقبل على الثاني بنشاط وإما يوما في الجمعة ويختلف باختلاف الأحوال والاشخاص والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط، واحتمل عمل بن مسعود مع استدلاله أن يكون اقتدى بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حتى في اليوم الذي عينه واحتمل أن يكون اقتدى بمجرد التخلل بين العمل والترك الذي عبر عنه بالتخول والثاني أظهر وأخذ بعض العلماء من حديث الباب كراهة تشبيه غير الرواتب بالرواتب بالمواظبة عليها في وقت معين دائما. (فتح الباري)
[4] طول صلاته بالنسبة إلى قصر خطبته؛ فليس المراد طولها في نفسها بحيث يشق على المقتدين، فلا تعارض بينه وبين الأخبار الآمرة بالتخفيف. (فيض القدير)
[5] قال أبو عبيد: يعنى أن هذا مما يعرف به فقه الرجل ويستدل به عليه. (ابن بطال) أو لأنّ حال الخطبة توجهه إلى الخلق وحال الصلاة مقصده الخالق فمن فقاهة قلبه إطالة معراج ربه. (مرقاة المفاتيح)