([1]) قال المصنف أبو حيان سراج الدين النحوي عليه رحمة الله القوي: [بسم الله الرحمن الرحيم]، ابتدأ كتابه بالبسملة اقتداء بكتاب الله عزّوجلّ حيث أتى بها ابتداء، وامتثالاً بحكم حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حيث قال عليه الصلاة والسلام: ½كلّ أمر ذي بال لايبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع¼ "ث". نقله سيدي ومرشدي العلاّمة أبو بلال محمد إلياس العطار القادري الرضوي الضيائي أدام الله فيضه العالي في كتابه المسمّى بـ"ف" عن "م"، وإجراء على طريقة السلف رحمهم الله تعالى حيث أتوا بِها في صدر كتبهم، و تيمّناً باسم الله في بداية الأمر، ودفعاً لوسوسة الشيطن، وإذابة له حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: ½إذ قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم يذوب الشيطن كما يذوب الرصاص في النار¼ نقله أيضاً شيخ الطريقة أمير أهل السنّة في كتابه "ف" عن "أ"، ورغماً للكافرين المضلّين عن سبيل الهداية والرشاد حيث ابتدؤا بأسماء آلهتهم البَطَلَة، وتحصيلاً للفضائل الواردة في شأنِها، فمنها: قوله عليه الصلاة والسلام: ½من كتب بسم الله الرحمن الرحيم مجوّدة تعظيماً لله غفرالله له¼ "ث". "ب"، ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام: ½من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم كتب له بكلّ حرف أربعة آلاف حسنة ومحي عنه أربعة آلاف سيّئة ورفع له أربعة آلاف درجة¼ "ث". إلى غير ذلك، فإن قلت: التسمية أيضاً أمر ذو بال فينبغي أن يبتدأ التسمية بالتسمية فيلزم ابتداء الشئ بنفسه أو بتسمية أخرى وهكذا فيلزم التسلسل وكلاهما باطل، قلنا: المراد كلّ أمر ذي بال غير البسملة...إلخ كذا في "ه". فإن قلت: الابتداء في قوله: ½باسم الله¼ حاصل بلفظ ½اسم¼ ولفظه ليس من أسماء الله تعالى فالابتداء ليس باسم الله، قلنا: الابتداء باسم الله تعالى إمّا أن يكون بذكر اسم خاصّ كلفظة ½الله¼ أو ½الرحمن¼ أو ½الرحيم¼ مثلاً أو بذكر اسم عامّ مضاف إلى اسمه الخاصّ فإنّه يراد به جميع أسمائه تعالى لعموم الإضافة ويستفاد منه التبرّك بجميع أسمائه وهو أولى "ط". والباء متعلّقة بمحذوف تقديره: بسم الله أكتب، وكذلك يُضمَر كلّ فاعل ما يجعل التسمية مبدأ له، وذلك أولى من أن يضمر ½أبدأ¼ "ن"، وإنّما يقدّر الفعل مؤخّراً؛ لأنه لو قدّم وقيل: ½أكتب بسم الله¼إلخ لَم يلزم الابتداء بسم الله تعالى بل بالفعل وهو ½أكتب¼ فيخلّ بالغرض "ط". وهى إمّا للاستعانة أو للمصاحبة والمعنى: مستعيناً متبرّكاً باسم الله تعالى أكتب، والاسم عند أصحابنا البصريين ناقص أصله ½سمو¼ بمعنى العلوّ؛ لأنه رفعة للمسمّى، وعند الكوفيين مثال، أصله ½وسم¼ بمعنى العلامة؛ لأنه علامة على مسمّاه وهو ضعيف؛ لأنّ الفعل أيضاً علامة على معناه، أقول: وفى تضعيفه نظر؛ لأنّ وجه التسمية لا يشترط فيه الاطّراد تأمّل، وإنّما لَم تكتب همزة في التسمية لكثرة الاستعمال وطوّلت الباء عوضاً عنها، و½الله¼ علم لذات الواجب الوجود المستجمع لجميع صفات الكمال، وهو علم مرتجل من غير اعتبار أصل أخذ منه وعليه الأكثرون، منهم: أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي والخليل والزجّاج وابن كيسان والحليمي وإمام الحرمين والغزالي والخطابي وغيرهم "ش"، وبه قال الإمام أحمد رضا الماتريدي الحنفي رحمه الله تعالى في كتابه "ظ" من أنّ المشهور أنه مركّب بلام التعريف و½الإله¼ بأن حذفت الهمزة عنه وعوّضت اللام فأدغمت اللام في اللام، ولكن أستحسن قولاً آخر وهو أنه غير مركّب بل علم لذاته عزوجل بالهيئة الكذائية، ويؤيّده أنه يزاد بين المنادى المعرّف باللام وحرف النداء ½أيّها¼ مثلاً وههنا حرام بل كفر مع قصد المعنى؛ لأنّ معناه ذات مبهمة، وكيف الإبهام ههنا وهو أعرف المعارف "ظ". الفائدة الجليلة: فى"ش" روى هشام عن محمد بن الحسن قال: سمعت أبا حنيفة رحمه الله تعالى يقول: اسم الله الأعظم هو الله، وبه قال الطحاوي وأكثر العارفين حتّى أنه لا ذكر عندهم لصاحب مقام فوق الذكر به. قوله: ½الرحمن الرحيم¼، قدّم الأوّل على الثاني؛ لأنه أبلغ منه بأنّ زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني، ولأنه مختصّ بالله تعالى كاسم ذاته عزوجل كما قال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ﴾[سورة الأسراء: ١١٠]؛ لأنه يعمّ الإنسان والحيوان والمؤمن والكافر في الدنيا والأخرة، والرحيم يختصّ بالمؤمنين في الآخرة فالرحمن خاصّ اللفظ عامّ المعنى والرحيم عكسه، وقيل: ½فعلان¼ لِمبالَغة الفعل فيفيد جلالة الفعل، و½فعيل¼ لِمبالَغة الفاعل فيفيد تكرار الفعل مرّة بعد أخرى، ففي كلّ واحد منهما مبالغة ليست في الآخر، والمبالغة في حقّه تعالى لكثرة موارد رحمته وكثرة المرحومين كما قال الزمخشري المعتزلي: المبالغة في التوّاب لكثرة من يتوب عليه، وكلاهما مشتقّان من الرحم وهو رقّة القلب وانعطاف يقتضي المغفرة والإحسان، والقلب والجسم محال في حقه تعالى فقيل: المراد ههنا هو الإحسان والإنعام، وههنا بحث شريف أورده العلاّمة الشامي وأطال بذكره من أنّ التحقيق أنّ وصفه تعالى بالرحمة حقيقة ولا تجوّز فيه، وبيانه كما قال العارف المحقّق إبراهيم الكوراني في كتابه "ق": إنّ الرحمة الّتي هي من الأعراض النفسانيّة هي القائمة بنا ولايلزم من ذلك أن يكون مطلق الرحمة كذلك حتّى يلزم كونها في حقّه تعالى مجازاً، ألا ترى أنّ العلم القائم بنا من الأعراض النفسانيّة وقد وصف الحق تعالى به ولم يقل أحد إنّه مجاز في حقّه تعالى، وعلى هذا القياس الإرادة وغيرها من الصفات، فلم لا يجوز أن تكون الرحمة حقيقة واحدة وهي العطف وتختلف أنواعه باختلاف الموصوفين به، فإذا نسب إلينا كان كيفيّة نفسانيّة وإذا نسب إليه تعالى كان حقيقة فيما يليق بجلال ذاته من الإنعام وإرادته، ويؤيّده أنّ الأصل في الإطلاق الحقيقة ولا يصار إلى المجاز إلاّ إذا تعذّرت الحقيقة ولا تتعذّرهنا، وكون الرحمة منحصرة وضعاً في الكيفيّة النفسانيّة دونه خرط القتاد، وكونها في حقّنا كيفيّة نفسانيّة لا يدلّ على كونها مجازاً في حقّه تعالى وإلاّ كان وصفه تعالى بالعلم والقدرة وغيرهما مجازاً؛ لأنّها فينا أعراض نفسانيّة ولا قائل به أحد اهـ "ت". النكتة اللطيفة: خصّ الأسماء الثلثة بالتسمية؛ لأنّ ½الله¼ يدلّ على ذاته الأزليّة الموجودة قبل وجودنا و½الرحمن¼ يدلّ على الصفة الموجود أثرها عند وجودنا في الدنيا و½الرحيم¼ يدلّ على الصفة الموجود أثرها عند البعث في الآخرة، فنبّه بذكر تلك الثلاثة على استحقاقه تعالى التعظيم قبل الدنيا وحين الدنيا وبعدها باعتبار الذات والصفتين، "ر".