فمدخول النفي هو الجعل المقيد بهذه القيود وظاهر أن المقيد و لو بألف قيدٍ لا يتصور تحققه إلا بتحقق كل من تلك القيود والقيود التي ههنا هي تأليف الجعل وكون المجعول إليه جسدا مع تقييده بعدم أكل الطعام فلا بد لتحق هذا المقيد من تحقق تلك القيود الثلاثة بخلاف الانتفاء فإنه متصور بانتفاء جزء أي جزء كان ولا يتوقف على انتفاء جميع الأجزاء فينتفى ذلك المدخول للنفي بوقوع غير الجعل موقعه وبانتفاء تأليفه بأن يتعلق الجعل المفرد بأحد المفعولين أما بالأول فقط وأما بالثاني فحسب وبرفع خصوص المجعول إليه ووضع أمر آخر في محله وبانتفاء قيد عدم الأكل ولو سلم تحقق كل قيد -إلى أن قال-: وقد تقرر في مدارك العقلاء التلازم بين السالبة السالبة وبين الموجبة المحصلة عند وجود الموضوع فلزم من قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلۡنَٰهُمۡ جَسَدٗا لَّا يَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ﴾ [الأنبياء:٨] الذي هو بمنزلة السالبة السالبة تحقق قضية موجبة محصلة أعني كل رسول يأكل الطعام فيقال لمن يدعي به على إثبات موت المسيح بن مريم أن نسبة الأكل إلى كل رسول في القضية هل هي بالضرورة بحسب الذات أو بحسب الوصف أو في وقت ما أو في وقت معين أو بحسب الدوام ذاتا أو وصفا أو بالإطلاق أو بالإمكان مع قيدا للدوام في ما عدا الأول والخامس أو مع قيدا للضرورة في ما عدا الأول فقط على رأي...إلخ. (عقيدة ختم النبوة، ١/١٤-١٨)
مثل هذا الكلام كثير في هذه الرسالة، فعليك الرجوع إليها لوفور الشوق والذوق المنطقي.
قد اكتفينا على هذه النماذج من عشرين مقاما من الكتب فقط؛ لقلّة الوقت وصغر الحجم وإلا كُتُب الأسلاف مملوءة من المصطلحات المنطقية والفلسفية. ومن المعلوم أيضا أن بعض المدارس الثانوية والكليات والجامعات العالَمية قد قرّرت علمَ المنطق والفلسفة مادة اختيارية في مناهجها الدراسية.
فيا أخي الكريم، أيها الطالب الصادق، يا رأس المال للقوم والملّة، اجتهدْ في العلوم كلِّها لا سيّما في المنطق والفلسفة القديمة بقدر الحاجة والضرورة. والآن قد عرفتَ جيّدا حاجتهما وأهميّتهما في حياتك العلمية والعملية والدراسية فلا تغفل عنهما ولا تنسنا من دعائك.