وأتقن[1] وهو أنا لا نسئل عن الفصل إلاّ بعد أن نعلم أنّ للشيء جنساً بناء على أنّ ما لا جنس له لا فصل له، وإذا علمنا الشيء بالجنس فنطلب ما يميزه عن المشاركات في ذلك الجنس فنقول: "الإنسان أيّ حيوان هو في ذاته"، فتعين الجواب بـ"الناطق"[2] لا غير، فكلمة "شيء" في التعريف كناية[3] عن الجنس المعلوم الذي يطلب ما يميز الشيء عن المشاركات في ذلك الجنس،
[1]قوله: [أتقن] السلامة عن الطعن الذي في جواب العلامة الرازي عليه الرحمة وهو أن الجواب بأن أرباب المعقول اصطلحوا هكذا، ولا مشاحة في الاصطلاح جواب على رسم أرباب المعقول. (تحفة)
[2]قوله: [فتعين الجواب بالناطق] لأن الجنس قد علم فلا حاجة إلى الجواب به فقط ولا بانضمامه إلى الناطق، فإن قلت: أن الناطق بمعنى مُدرِك الكليات ليس مختصّا بالإنسان؛ لأن الباري تعالى وعزّ شأنه وسائر المجردات كالعقول والنفوس الفلكية يدركون الكليات أيضا فلا يصحّ كونه فصلا قريبا للإنسان لِمَا تقرر عندهم أن الفصل القريب لا بد أن يكون مختصّا للماهية التي هو فصل لها، ولو سلم أن الفصل القريب لا يجب أن يكون مختصا بتلك الماهية فجعله فصلا للإنسان ليس أولى من جعله جنسا له بل يجوز أن يجعل الحيوان فصلا، والناطق جنسا؛ فإن كل واحد منهما مشترك بين ماهية الإنسان وغيرها. قلت: المراد من الناطق هو صاحب مبدأ النطق والإدراك، ولا شك أن ذلك المبدأ مختصّ بماهية الإنسان الذي هو أثر ذلك المبدأ فلا إشكال. وقد أجاب بعض القاصرين بأن المراد بالناطق في تعريف الإنسان هو المتكلّم بالحروف والصوت وأنه مخصوص بالإنسان، لأن المتكلم ثلاثة: المتكلم بلا صوت وحرف كالباري عز شأنه و جل برهانه، والمتكلم بما ينتزع عنه الحروف والصوت كسائر الحيوانات، والمتكلم بالحروف والصوت وهو الإنسان، وأما الملائكة التي هي العقول المجردة عندهم والنفوس الفلكية ليس لها تكلم ونطق أصلا، ولا يخفى على أولي الألباب أن هذا الجواب ينبغي أن يطرح تحت الميزاب. (تحفة)
[3]قوله: [كناية عن الجنس المعلوم] وإنما اختاروا الكناية؛ لتعذر حصر الأجناس، وذكرها في تعريف الفصل، فوضعوا لفظ "شيء" موضعها كنايةً عما يشمل الأجناس. (تحفة)